الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في الطرق التي يعرف بها وجه الفعل]

صفحة 152 - الجزء 2

  قلنا: لا نسلم انحصار الفعل في الثلاثة كما هو رأي الأكثر، بشهادة قوله {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}، فلا يتم ما أرادوه، وإن سلم، فلا نسلم الإباحة لاسيما فيما ظهر فيه قصد القربة.

  احتج القائلون بالحظر: بما تقدم من أنه لا يؤمن كون ما فعله النبي ÷ صغيرة، فنكون متبعين له في معصية.

  قلنا: لا نسلم ظهور الصغيرة، بل يجب خفاؤها كما تقدم.

  احتج ابن الحاجب: بأنه إذا ظهر في الفعل قصد القربة ظهر رجحان فعله على تركه، فحكم به، والمنع من الترك زيادة لم تثبت بدليل، والأصل عدمه، فيثبت الرجحان بدون المنع من الترك، وهو حقيقة الندب، وإذا لم يظهر قصد القربة ظهر الجواز لتعذر المعصية، ولا وجوب ولا ندب لعدم ما يدل عليهما، والأصل عدمهما.

  قلنا: لا نسلم أن الندب يتعين في الأول لاحتمال الوجوب، والإباحة لا تتعين في الثاني لجواز اختصاصه ÷.

(فصل): [في الطرق التي يعرف بها وجه الفعل]

  لما تقدم أن المتابعة مأمور بها، وأن شرط المتابعة العلم بجهة الفعل، وأن الفعل المجرد لا يدل على حكم معين، شرع المصنف في بيان الطرق التي تعلم بها الجهة، فقال:

  (ويعلم وجه فعله ÷) الذي أوقعه عليه من وجوب أو ندب أو إباحة:

  (بالضرورة) الحاصلة عن قرائن أحواله (من قصده) فإن الضرورة قد تحصل عند الإمارات مع صحة الفعل بتواتر أو غيره، فما عرفه المشاهدون من قصده ضرورة وجب عليهم اتباعه، وإذا نقلوه إلينا وجب علينا العمل به مع صحة النقل بتواتر أو غيره.

  (أو) يعرف (بنصه عليه) من كونه واجباً ومندوباً ومباحاً، فيعمل بمقتضى النص.

  (أو) يعرف (بوقوعه امتثالاً لدال على وجوب أو ندب أو إباحة) من الأدلة، وذلك مثل إقامة الحد على الزاني والقاذف ونحو ذلك، فإنا نعلم أنه واجب إذ هو امتثال لأمر الله تعالى بإقامة الحد، وكأن يقنص الصيد بعد الإحلال من الإحرام، فيعلم أن ذلك مباح، إذ هو امتثال لإباحة الصيد بقوله تعالى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}، وكأن يتصدق # ويشتغل بالصلاة، فيعلم أن ذلك مندوب، إذ هو امتثال لما دل عليه الدليل من الندب إلى الصدقة والصلاة.