الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في الخبر الآحادي]

صفحة 202 - الجزء 2

  وأيضاً لو أفاد العلم وجب أن يخطئ مخالفه، ومعلوم أن الصحابة كانوا يعملون بخلاف خبر الواحد عند وجود ما هو أقوى من غير نكير.

  والثاني: باطل؛ لأن كل قرينة يذكرونها هنا، فالسامع يجوز خلافها فلا يفيد إلاَّ الظن، فإنا إذا علمنا بمرض زيد ثم سمعنا الواعية في داره ورأينا الجنازة وأخبرنا عدل بموته فإنا لا نقطع لجواز أن يكن مات غيره فجأة، أو أغمي عليه أو أظهر موته خشية من سلطان، ونحو ذلك من وجوه التجويز.

  احتج المطلقون: بأنه يجب العلم به إجماعاً، ولولا أنه مفيد للعلم غير مفتقر إلى الظن لما وجب العمل به بل لم يجز لقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}، والنهي للتحريم، وقال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} في معرض الذم، فدل على حرمته.

  قلنا: أما أولاً: فلأن المنع إنما هو الإجماع على وجوب العمل بالظواهر لا على وجوب العمل به، وأنه قاطع.

  وأما ثانياً: فإن ظاهرهما في العموم مأول بتخصيصه بما المطلوب فيه العلم من أصول الدين، لا ما يطلب فيه العمل من أحكام الشرع.

  احتج المفصلون: بأنا نجد العلم بخبر الواحد مع القرينة من أنفسنا وجداناً ضرورياً لا يتطرق إليه الشك، (كما إذا أُخبرَ مَلِكٌ بموت ولد له مدنف) على الموت، (مع) انضمام قرائن إليه من (صراخ) من بيت الملك، (وانتهاك حريم)، من خروج المخدورات المحجبات، وظهورهن على حال منكرة غير معتادة دون موت مثله، (ونحو ذلك) من القرائن، كخروج الجنازة والملك وأكابر مملكته.

  واعترض عليه: بأن العلم إنما يحصل بالقرائن كالعلم بِخَجَلِ الخَجِلِ ووَجَلِ الوَجِلِ، وارتضاع الطفل اللبن من الثدي ونحو ذلك.

  وأجيب: أنه حصل بالخبر بضميمة القرينة إذ لولا الخبر لجوزنا موت شخص آخر.

تنبيه:

  إنما لم يقيد الواحد بالعدل كما فعل ابن الحاجب وغيره؛ لأنه لا حاجة إليه على القول بأنه لا يفيد العلم مطلقاً، ومع القرينة، وإن احتيج إليه على القول بأنه يفيده من دون قرينة.