الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في ذكر الصحابي حكما طريقه التوقيف]

صفحة 292 - الجزء 2

(فصل): [في ذكر الصحابي حكماً طريقه التوقيف]

  (وإذا ذكر الصحابي حكماً طريقه التوقيف) بمعنى أنه لا يعرف إلا باتفاق الشارع عليه، وذلك (كالمقدرات) نحو أن يقول: نصاب الخضروات ما قيمته مائتا درهم، (والأبدال) نحول أن يقول: من لم يجد ماء ولا تراباً فليتمم بما صعد على الأرض، (والحدود) نحو أن يقول: يحد اللائط مائة جلدة، (فعند بعض الحنفية أنه يحمل على التوقيف) مطلقاً ونسب هذا المهدي إلى أبي حنيفة.

  وقال (ابن حزم: لا يحمل عليه) أي التوقيف، بل على الاجتهاد.

  وقال (أئمتنا والقاضي وأبو الحسين: إن كان للاجتهاد فيه مسرح حمل عليه) أي على الاجتهاد، سواء كان ذلك الصحابي مجتهداً أومقلداً، فيحمل في الأول على اجتهاد نفسه وفي الثاني على اجتهاد من قلده، وبهذا يعرف الفرق بين مذهب أئمتنا ومذهب الكرخي؛ لأنه قال: إن كان الصحابي مجتهداً والمسألة اجتهادية حمل على الاجتهادية، وإلا يكن مجتهداً والمسألة اجتهادية فلا، أو هو والمسألة غير اجتهادية فاعتبر القائل مع كون المسألة اجتهادية، وأصحابنا اعتبروا المسألة، (وإلا) يكن للاجتهاد فيه مسرح نحو: ما رواه الأمير الناصر للحق في الشفا عن علي #: (أن الحيض ينقطع عن الحبلى؛ لأنه جعل رزقاً للجنين)، (فالتوقيف) فيحمل على أنه سمعه منه ÷ أو من واسطة، قيل: أو نقله عن أهل الكتاب، فقد قال ÷ «خذوا عن أهل الكتاب ولا حرج»، إذ لا مجال للعقل ولا للاجتهاد في ذلك، وهو عدل مرضي فلا يحسن منا حمله على أنه قاله تبخيتاً، لأن هذا ينافي مقتضى حسن الظن بالصحابة.

  لنا: أن الظاهر فيما لم يضفه الصحابي إليه ÷ أو إلى غيره أنه نتيجة الاجتهاد منه أو من آخر إمام له، إن لم نقل بتجزئ الاجتهاد، إلا لمانع صارف عن الظاهر بأن يكون الاجتهاد ليس له في المسألة مسرح، فلا يكون فيه حينئذ حجة.

  احتج بعض الحنفية: بأن المعلوم من استقراء كتب السير أن الصحابة إذا أطلقوا حكماً شرعياً وجزموا به فإنه يكون عن توقيف، بخلاف ما إذا كان رأياً لهم فإنهم يصرحون به، فيحمل حينئذ على التوقيف، وهذا قوي إن صح ما ادعاه.

  احتج ابن حزم: بما قبل الاستثناء من حجتنا.