[حقيقة القياس]
الباب الثالث عشر من أبواب الكتاب: باب القياس
[حقيقة القياس]
  وهو أهم قواعد الشريعة، وأصل لكثير من الأحكام، ولهذا عظمت عنايات الأصوليين به، وأفرد له بعضهم كتاباً، منهم الجويني عبدالملك، فإنه أفرد له كتاباً سماه البرهان، ومنهم أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي، فإنَّه أفرد له كتاباً سماه شفاء العليل، ومنهم الإمام فإنه أفرد له كتاباً سماه القسطاس وأودعه من الدر الفريد عقوداً، ونسج له من اللفظ الغريب بروداً، وآخرون لم يفردوا له كتباً إلا أنهم بالغوا الكلام في شأنه، وأجروا خيول السباق في ميدانه.
  و (هو) يستعمل لغةً واصطلاحاً، أمَّا (في اللغة) فهو يستعمل في (التقدير والمساواة) يقال: قست النعل بالنعل أي قدرته فساواه، وفي كلام بعضهم ما يشعر بأنه قد يكون للمساواة فقط، كقولهم فلان لا يقاس بفلان، أي لا يساويه، وللتقدير فقط يقال: قست الثوب بالذراع أي قدرته به، ولهما معاً كما مثلناه.
  وقيل: هو في اللغة التقدير، وهو يستدعي أمرين يضاف أحدهما إلى الآخر بالمساواة، فهو نسبة وإضافة بين شيئين كالمثال الثاني، هكذا حكاه في حاشية شرح المختصر عن الآمدي.
  قال في التلويح: وقد يعدى بعلى لتضمين معنى الإبتناء كقولهم قاس الشيء على الشيء.
  (وأمَّا في الاصطلاح) فهو قسمان: قياس طرد وعكس، فإن أريد تفريق حديهما، (فقياس الطرد: إلحاق فرع بأصل في حكمه) الثابت له بدليل يخصه (لاشتراكهما في العلة) الباعثة على الحكم، وذلك لأنه من أدلة الأحكام، فلا بد من حكم مطلوب به، وله محل ضرورة، والمقصود إثبات ذلك الحكم في ذلك المحل لثبوته في محل آخر يقاس هذا به، فكان هذا فرعاً وذاك أصلاً، لاحتياجه إليه وابتنائه عليه، ولا يمكن ذلك في كل شيئين، بل إذا كان بينهما أمر مشترك، ولا كل مشترك بل مشترك يُوجب الاشتراك بأن يستلزم الحكم، ويسمى علة الحكم، فلا بد أن يعلم علة الحكم ويعلم من ثبوت مثلها في الفرع؛ إذ ثبوت عينها فيه محال؛ لأن المعنى الشخصي لا يقوم بعينه لمحلين، وبذلك يحصل ظن مثل الحكم في الفرع وهو المطلوب.