الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في حجية القياس أقطعية أم ظنية؟]

صفحة 327 - الجزء 2

  حسن من المكلف أن يحمل عدم التبيين على صعوبة البيان لا على تقصير نفسه، فالإتيان بكمال البيان إزاحة لعذر المكلف، فيكون كاللطف وترك المفسدة في الوجوب.

  وحاصل هذا الاستحجاج: أن الأصلح واجب على الله تعالى في جميع أمور الديانة.

  وهو فاسد بالتكليف بالنظر والتفكر، فإن مسالكه ضنكة، ومجاريه دقيقة، ومن ثَمَّ عظم فيه الزلل الأكبر الخليفة، وسببه حزونة طريقه، وصعوبة مسلكه، فإنه يلزم على مساق هذه المقالة أن لا يرد فيه تكليف، ويجب على الله أن يضطرهم إلى المعارف الضرورية في المسائل الدينية والعقائد، الإلهية محاذرة عن اقتحام ورطه، والتحير في متاهاته.

(فصل): [في حجية القياس أقطعية أم ظنية؟]

  لما فرغ من تقرير كونه حجَّة شرع في تبيين هل دليله حجة قطعية أو ظنية؛ إذ لا يليق الخوض في ذلك إلا بعد معرفة الحجية، فقال:

  (أئمتنا والجمهور) من العلماء (وأدلة التعبد به من السمع قطعية؛ إذ) هو ما قدمنا بيانه من الإجماع، ومن حديث معاذ، ومن أنه ثبت بالتواتر عن جمع كثير من الصحابة أنهم عملوا بالقياس عند عدم النص، وكيف لا والعادة تقضي بأنه (لا يثبت مثله إلا بقاطع) لأنه أصل من أصول الشريعة كالكتاب والسنة النبوية والإجماع، فيوجد قاطع على حجته قطعاً، وما كان كذلك فهو حجة قطعاً، فالقياس حجة قطعاً، وفي هذا تتمة من كلام ابن الحاجب، لكنه احتج بالقاطع الكاشف عنه الإجماع القاطع، والمؤلف احتج على وجود القاطع بغير الإجماع، وهو أن هذا أصل من الأصول ومثله لا يثبت إلا بقاطع، والله أعلم.

  وقال (أبو الحسين والشيخ) الحسن (وحفيده وغيرهم) كالرازي والبيضاوي (بل ظنية) لأنما ذكرناه أخبار آحاد وهي لا تفيد القطع، وحديث معاذ كذلك.

  قلنا: الأخبار قدرها المشترك متواتر، ولا يضر عدم تواتر كل فردٍ، وخبر معاذ إن لم يكن متواتراً فهو متلقى بالقبول.

  قالوا: وهذه الأشياء إن كانت ظنية فهو يثبت كون القياس دليلاً معمولاً به؛ لأن القياس وإن كان قطعياً فهو عملي، (وإثبات القطعي العملي بالظني جائز)، فلا يضر كون الدليل عليه ظنياً (ويلزمهم مثله في كل قطعي عملي) كالعمل بالكتاب والسنة والإجماع، وهم لا يلتزمونه.