الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل) [في شروط العلة الصحيحة]

صفحة 385 - الجزء 2

  وجه للتقسيط؛ لأنه إنما يكون في الأمور المتساوية كما نقوله في قاتلين أزهقا روحاً واحدة، فترجح التردية على الحفر لمكان الإحالة واختصاصها بالمناسبة واتصالها بالهلاك.

  وكذلك شهود الزنا مع شهود الإحصان فإن الشهود الذين أثبتوا الزنا إنما أثبتوا الموصوف في نفسه، والذين أثبتوا الإحصان إنما أثبتوا الصفة لا غير، فنقول: الزنا هو الموجب فيرجح جانبه فيكون الغرم على شهود الزنا، أو نقول: إن الإحصان وإن كان صفة تابعة فله حظ من التأثير فيجب توزيع الغرم بين الشهودين.

  وكذلك شراء القريب بنية الكفارة فإن المؤثر في العتق إنما هو القرابة وليست متعلقة بالمكفر، وإنما هي صفة من جهة الله تعالى، والشراء إنما هو سبب في الملك فلا يكون سبباً في الإزالة، وإذا كان كذلك كان المؤثر في العتق هو القرابة، والشراء لا يناط به العتق؛ لعدم المناسبة، فلأجل هذا اختل على القرابة التي لا تتعلق بالمكفر، فلهذا كانت الكفارة غير مجزية لما لم يصدر من جهته علة العتق بحال، فقد أمكن تقرير المسائل على ما قاله الفقهاء من غير نظر إلى العلة والشرط.

  قلت: فلم تظهر ثمرة في هذه المسائل، ولهذا قال الإمام في القسطاس: إن النزاع لفظي؛ لأن ما عناه هؤلاء بالشرط هو الذي عناه هؤلاء بالصفة، وقد وسع الكلام في هذه المسألة في القسطاس توسيعاً بليغاً زيد به ما ذكرناه.

(فصل) [في شروط العلة الصحيحة]

  (والشروط الصحيحة في العلة) ونعني بها ما يعلل به الحكم في الأصل (ستة):

  (الأول: كون) العلة شرعية لا بمعنى أن أصل ثبوتها شرعياً، فإنه قد يكون خلقياً كالطعم والشدة، وإنما نريد بذلك أن يكون (دليلها شرعياً) لأن طرق العلة النص والإجماع وهما شرعيان، وتنبيه النص وحجة الإجماع يتوقفان عليهما، فكانا شرعيين، والمناسبة والشبه وما يتصل به من الطرق شرعية؛ لأن التعليل بها متوقف على النص أو الإجماع على حكم الأصل، وما وقف على الشرعي فهو شرعي؛ إذ لو لا الشرع الوارد بحكم الأصل لم يكن طريقاً إلى ثبوت العلة بالمناسبة والشبه والوجه في اشتراط ذلك أن القياس والحال أن دليلها ليس شرعياً ليس شرعي الشرط.

  (الثاني: كونها باعثة) على الحكم لتكون مؤثرة فيه، إمَّا بأن يكون وجه المصلحة أو أمارة بصحتها؛ لأن العلة إذا لم تكن بهذه المثابة لم تكن بأن تجعل علة أولى من غيرها، وقد عرفت معنى الباعثة سابقاً.