الفن الأول: علم المعاني
  أو شأن غيره نحو: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ}(١).
  أي: أعز وأطول من كل شئ، وقيل: من بيت جرير، وقيل: يعنى عزيزة طويلة.
  وقال الخفاجي في سر الفصاحة: إن المراد: أعز وأطول من السماء المذكورة في البيت مبالغة، وإن جعله أطول من بيت جرير، أو بمعنى طويلة، فيه تعسف. والبيت قيل:
  الكعبة، وقيل: بمعنى العزة. فلا شك أن الموصول كان ذريعة إلى ذكر صلته، وذكرها ذريعة إلى تعظيم الخبر الذي هو بناء البيت، وذلك تدركه بالذوق فإن: سمك السماء، فيه تعريض، بأن المسند إليه من شأنه أنه رفع السماء، فهو قادر على المخبر به. وتارة يقصد به تعظيم شأن غير الخبر، كقوله تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ} فإنه قصد به تعظيم شأن شعيب ﷺ ويحتمل أن يقال: إنه لبناء الخبر عليه، فإن
  تكذيبهم شعيبا ﷺ مناسب لخسرانهم. قال في الإيضاح: قال السكاكى: وربما جعل ذريعة إلى تحقيق الخبر، كقوله:
  إنّ التي ضربت بيتا مهاجرة ... بكوفة الجند غالت ودّها غول(٢)
  وربما جعل ذريعة إلى تنبيه المخاطب على خطأ، كقوله:
  إنّ الّذين ترونهم ...
  البيت.
  وفيه نظر؛ لأنه لا يظهر بين الإيماء إلى وجه بناء الخبر، وتحقيق الخبر فرق.
  (قلت): الفرق بينهما واضح: فإن الإيماء إلى وجه الخبر، أن تذكر ما يناسبه، وتحقيق الخبر أن تذكر ما يحقق وقوعه بأي نوع كان. والفرق بين بناء الشئ على غيره وتحققه، واضح. ثم قال في الإيضاح: وكيف يجعل الأول ذريعة إلى الثاني، والمسند إليه في البيت الثاني ليس فيه إيماء إلى وجه بناء الخبر عليه؟ بل لا يبعد أن يكون فيه إيماء إلى بناء نقيضه عليه.
  (قلت): وهو اعتراض فاسد؛ فإن السكاكى إنما استشهد به على ما قصد فيه التنبيه على الخطأ، ولم يجعل الأول ذريعة للثاني؛ بل هما كلامان متفاصلان. ثم قوله: لا يبعد أن يكون فيه إيماء عجيب فإن فيه التصريح بذلك قطعا، قال السكاكى: ربما كان ذريعة لمعنى آخر، كقوله:
(١) سورة الأعراف: ٩٢.
(٢) البيت من البسيط، وهو لعبدة بن الطيب العبشمي في ديوانه ٥٩، وتاج العروس ٢٤/ ٣٤١ (كوف)، ومعجم البلدان ٤/ ٤٩١ (الكوفة)، وشرح اختيارات المفصل ٦٤٦.