الجزء الثاني أحوال المسند
  . ... ... ... ... .....
  أن هذا التركيب عند قصد التخصيص لا يفيد التقوى، فلا يلزم دخوله في الإفراد؛ لأن المقصود نفى أن السببية والتقوى يكون علة للإفراد. ولا يلزم اطراد العلة فيصح وجود ذلك النفي مع نفى الإفراد كما في نحو: أنا سعيت في حاجتك، وقولنا: لم يقصد إفادة التقوى بالذات - إشارة إلى أن الإفادة لا بد فيها تبعا؛ إذ ما يفاد بلا قصد أصلا لا يعد من خواص تراكيب البلغاء، فلا عبرة به أصلا، وقولنا: لأن السببى في هذا الاصطلاح نعنى به اصطلاح السكاكى، وإياه تبع المصنف في إطلاق السببى على ما ذكر، كإطلاقه الفعلي على خلافه كما أشرنا إليه بقولنا:
  فيما تقدم؛ لكونه فعليا لا سببيا، أما اصطلاحه في السببى فكأنه مأخوذ من قول النحاة: إن نحو: مررت برجل كريم أبوه - نعت سببي، لكن على اعتباره ينبغي أن يسمى نحو قولك: زيد منطلق أبوه - مسندا سببيا، وهو لا يقول به، والتفريق بينه وبين قولنا: زيد أبوه منطلق بأن الأول المسند فيه مفرد والثاني المسند فيه جملة لا يفيد وجها لتخصيص الثاني بتسميته سببيا دون الأول، وأما اصطلاحه في الفعلي فلا يعرف له سلف فيه، وقد أطلق السببى في النعت على ما أطلقه عليه النحويون نحو:
  مررت برجل كريم أبوه، وأطلق الفعلي فيه على ما أطلقوا عليه الحقيقي نحو: مررت برجل كريم، وحول هذا الاصطلاح إلى المسند لكنه خصصه بالجملة كما أشرنا إليه قبل، فعلم أن مجموع اصطلاحه في السببى والفعلي مبتكر له، ولما كان تعريفه السببى فيه انغلاق وصعوبة حسبما يظهر عند الوقوف عليه في المفتاح، ومعلوم أنه يلزم من انغلاقه انغلاق مقابله وهو الفعلي عدل المصنف إلى المثال في السببى ليعرف منه الفعلي فقال (والمراد بالسببى) خبر هو (نحو) الخبر في قولك (زيد أبوه منطلق)، ومعلوم أن تعريف الحقائق بمجرد المثال لا يخلو من خفاء؛ لأن أوجه التماثل كثيرة، ومثل هذا قولك مثلا: زيد انطلق أبوه، مما كان فيه الخبر جملة علقت على مبتدأ بعائد لا يكون مسندا إليه في تلك الجملة، فيستفاد حد السببى مما ذكر من المثالين لاشتمالهما على أجزائه، فيخرج عنه المسند في نحو: زيد منطلق أبوه؛ إذ ليس (منطلق أبوه) بجملة كما تقرر، والمسند في نحو: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}(١) مما هو جملة أخبر بها عن ضمير الشأن؛ لأن تعليقها بالمبتدأ بنفسها لا بعائد، وفى نحو قولنا: زيد قام؛ لأن العائد في قام مسند إليه ويدخل في ذلك الحد المستفاد من المثالين.
(١) سورة الإخلاص: ١.