عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 403 - الجزء 1

  ولقول النحاة: (إنّما) لإثبات ما يذكر بعده، ونفى ما سواه. ولصحة انفصال الضمير معه؛


  منفردا، فلما كانت (ما) التي ليست لشئ من الأقسام المعروفة في الأصل للنفي، و (إن) للإثبات قصد عند التركيب المحافظة عليهما، فلم يمكن تواردهما على شئ واحد ولم يمكن صرف النفي للمذكور فتعين عكسه، وقول النحاة: إن (ما) كافة، لا ينافي هذا؛ لأن الكف حكم لفظي لا ينافي أن يقارنه حكم معنوي، ثم إن المصنف نقل عن النحاة أنها لإثبات المذكور، ونفى ما سواه، وهو قول بعضهم لا كلهم. ومنها: أن (إن) للتأكيد و (ما) كذلك فاجتمع تأكيدان فأفاد الحصر. قاله السكاكى، ويرد عليه أنه لو كان اجتماع تأكيدين للحصر لكان قولك: إن زيدا لقائم، يفيد الحصر، وقد يجاب بأن مراده أنه لا يجتمع حرفا تأكيد متواليان إلا للحصر، ثم هو ممنوع، والتأكيد اللفظي والمعنوى كل منهما يتكرر ولا حصر. ومنها: قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ}⁣(⁣١)، {قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ}⁣(⁣٢)، {قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي}⁣(⁣٣) فإنه إنما يحصل مطابقة الجواب إذا كانت إنما للحصر ليكون معناه لا آتيكم به، {إنما يأتي به الله}، ولا أعلمها إنما يعلمها الله، وأصرحها {إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ} لجواز أن يدعى في غيرها أن الحصر أخذ من تعريف المبتدأ، لكن الظاهر أن من منع الحصر بإنما فهو لحصر المبتدأ في الخبر أمنع، وكذلك قوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ}⁣(⁣٤) وفى الآية نكتة، وهو التنبيه على أن المجازى لا يكون فعله ظلما على الحقيقة، وهذا المعنى أحسن من قول الزمخشري أن المعنى: إنما السبيل على الذين يبتدئون الناس بالظلم. ومنها: قوله تعالى: {وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي}⁣(⁣٥) لا يستقيم المعنى إلا بالحصر. ومنها: قوله تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ}⁣(⁣٦) إذ لو لم تكن للحصر كانت بمنزلة إن تولوا فعليك البلاغ، وهو عليه البلاغ تولوا أم لا، وإنما ترتب على توليهم نفى غير البلاغ مما قد يتوهم نسبته له .


(١) سورة الملك: ٢٦.

(٢) سورة هود: ٣٣.

(٣) سورة الأعراف: ١٨٧.

(٤) سورة الشورى: ٤١، ٤٢.

(٥) سورة الأعراف: ٢٠٣.

(٦) سورة آل عمران: ٢٠.