الفن الأول: علم المعاني
  قال الفرزدق [من الطويل]:
  أنا الذّائد الحامي الذّمار وإنّما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي(١)
  ومنها: انفصال الضمير بعدها في قول الفرزدق:
  أنا الذّائد الحامي الذّمار وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي(٢)
  قال عبد القاهر: ولا يمكن ادعاء الضرورة فيه، فإنه متمكن أن يقول: أدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي. وأعلم أن انفصال الضمير بعد إنما فيه ثلاثة أقوال:
  أحدها: أنه ضرورة، لا يجوز إلا في الشعر، وهو المنقول عن سيبويه.
  والثاني: أنه يجوز الفصل والوصل، وإليه ذهب الزجاج.
  والثالث: أنه يجب الفصل، قاله ابن مالك. وقال الشيخ أبو حيان: إنه غلط فاحش، وجهل بلسان العرب، وقول لم يقله أحد، ثم رده بقوله تعالى: {إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}(٣) وقوله تعالى: {إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ}(٤) وقوله تعالى: {إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ}(٥) وقوله تعالى: {وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ}(٦) قال: ولو كان على ما زعم لكان التركيب: إنما يشكو بثي وحزني أنا، وإنما يعظكم بواحدة أنا، وكذلك الجميع. قلت: لسان حال ابن مالك يتلو: {إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}(٣) وكلام ابن مالك هو الصواب، وليس منفردا به، وتحقيق ذلك أن ابن مالك بنى كلامه على قاعدتين: إحداهما: أن إنما للحصر، وهو الذي عليه أكثر الناس. والثاني: أن المحصور بها هو الأخير لفظا، وهذا الذي أجمع عليه البيانيون، وعليه غالب الاستعمالات، وإذا ثبتت له هاتان القاعدتان صح ما ادعاه؛ لأنك لو وصلت لما فهم، والتلبس قولك: إنما قمت موضوعة للم يقع إلا القيام، فلو أردت به ما قام إلا أنا، لم يفهم ذلك، ولا سبيل إلى فهمه إلا بأن تقول: إنما قام أنا، كما تقول: ما قام إلا أنا، وبهذا علم أنه لا يرد ما ذكره الشيخ من الآيات؛
(١) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٩١ الذمار: العهد.
(٢) البيت من الطويل، وهو للفرزدق في ديوانه: ٢/ ١٥٣، ولسان العرب (١٣/ ٣١) (أنن)، وتاج العروس (ما).
(٣) سورة يوسف: ٨٦.
(٤) سورة سبأ: ٤٦.
(٥) سورة النمل: ٩١.
(٦) سورة آل عمران: ١٨٥.