الفن الأول: علم المعاني
  .. ... ... .....
  الآية لأن إنما يوحى إلى مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد، وإنما إلهكم بمنزلة إنما زيد قائم، وفائدة اجتماعهما
  الدلالة على أن الوحي إلى الرسول مقصور على استئثار الله بالوحدانية. قلت: هذا صريح في أن أنما بالفتح للحصر، وبه صرح التنوخي في كتاب «الأقصى القريب» ونقله الطيبي أيضا، وأنه يقال: إن كل ما أوجب أن إنما بالكسر للحصر، أوجب أن أنما بالفتح للحصر، وفيه نظر، والشيخ أبو حيان رد على الزمخشري ما زعمه من أن أن المفتوحة للحصر، وقال: يلزم انحصار الوحي في الوحدانية، وأجيب عنه بأنه حصر مجازى باعتبار المقام، قلت: وجواب آخر، وهو أن هذا لازم سواء كانت أنما المفتوحة للحصر أم لا؛ لأن هذا الإلزام جاء من إنما، ولو قلت: إنما يوحى وحدانية الله تعالى لزم ذلك، وإنما الذي أوقع الشيخ في هذا السؤال قول الزمخشري: وفائدة اجتماعهما الدلالة على أن الوحي مقصور على الوحدانية، فأفهم أن هذا القصر نشأ عن كونهما معا للحصر، وليس كما قال فليتأمل.
  ومنها: حذف المسند لادعاء التعيين أو للتعيين نحو: يعطى بدرة ويفعل ما يشاء كما سبق، ومن هنا قال الزمخشري في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}(١): معناه لا يقول إلا الحق ولا يهدى إلا سبيل الحق. قال الطيبي: أما دلالة وهو يهدى السبيل فظاهر؛ لأنه على منوال أنا عرفت، وأما والله يقول الحق فلأنه مثل: {اللَّهُ يَبْسُطُ}(٢) وهو عنده يفيد الحصر اه. قلت: هذا عجيب فإن أنا عرفت والله يبسط حصر فيه الفاعل، ومعنى حصر الفاعل فيه لا يقول الحق إلا الله، والزمخشري لم يتعرض لذلك بالكلية، فإنه وجه المعنى هنا ليس على الحصر، وإنما أراد حصر المفعول ألا تراه صرح بذلك، وقال: لا يقول إلا الحق، ولا يهدى إلا السبيل، فلم يقع الطيبي على مراده مع وضوحه. فإن قلت: من أين أخذ الزمخشري الحصر من هذه الآية الكريمة؟ قلت: إما أن يكون من مفهوم الصفة عند القائل به، وإما من ترتيب الحكم على الوصف المشعر بالعلية؛ ولذلك قال في سورة غافر: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ}(٣): معناه من هذه صفاته لا يقضى إلا بالحق، وحيث وجدت العلة وجد المعلول، وحيث انتفى المعلول ثبت ضده، فعلى هذا يستفاد الحصر.
(١) سورة الأحزاب: ٤.
(٢) سورة الرعد: ٢٦.
(٣) سورة غافر: ٢٠.