الفن الأول: علم المعاني
  وأما التوسّط: فإذا اتّفقتا خبرا وإنشاء، لفظا ومعنى، أو معنى فقط بجامع؛ كقوله تعالى: {يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ}(١)، وقوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}(٢) وقوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا}(٣)
  من إيهام عطف شئ على ما لا يصلح أن يعطف عليه، وليس الأمر هنا كذلك إما لعدم العاطف إن لم يجعل حرف عطف أو
  لتقدير معطوف خبري يصح عطفه على ما قبله من غير حذر الإيهام والأحسن جعل الواو زائدة وإذا كان الوصل الصوري بالحرف الزائد يدفع الوهم فأي داع إلى أن يؤتى بالوصل المعنوي في غير محله مع الاستغناء عنه.
  ص: (وأما التوسط).
  (ش): هذه الحالة الأخيرة وهى أن يكون بين الجملتين التوسط بين كمال الانقطاع وكمال الاتصال وإن شئت قلت: بين الاتصال والانقطاع وذلك قسمان: أحدهما أن تتفق الجملتان خبرا لفظا ومعنى، أو إنشاء لفظا ومعنى أو خبرا معنى أو إنشاء معنى، ويحصل من ذلك صور: أن يكونا خبرين لفظا أو معنى أو إنشاءين معنى والأول إنشاء أو خبرين معنى والأول خبر أو إنشاءين معنى خبرين لفظا، أو خبرين لفظا، أو خبرين معنى إنشاءين لفظا، فهذه ثمانية أقسام تدخل في قوله: فإذا اتفقتا خبرا وإنشاء لفظا ومعنى فإن كل واحد من قوله: لفظا ومعنى يعود لكل واحد من قوله: خبرا وإنشاء وكان ينبغي أن يقال: خبرا أو إنشاء لأنه لا يمكن اجتماع الخبر والإنشاء على كل من الجملتين في حالة واحدة والثاني: أن يتفقا إنشاء وخبرا معنى لا لفظا وقوله: بجامع أي لا بد أن يكون مع ذلك بينهما جامع على ما سيأتي في بيان الجامع، مثال اتفاقهما لفظا ومعنى في الخبرية قوله تعالى: يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ فإنهما خبران وبينهما جامع وهو الاتحاد في المسند، وفى المسند إليه، ولك أن تقول:
  لم يتحدا في المسند فإن المسند في الأول المخادعة وهو غير الخدع، ولك أن تقول:
  جملة يخادعون لها محل، وهو خبران، فكيف ذكرها المصنف في قسم ما لا محل له، وقوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} والجامع التضاد ومثاله في الإنشاء قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} فإن كلا من الثانية مع الثالثة
(١) النساء: ١٤٢.
(٢) الانفطار: ١٣ - ١٤.
(٣) الأعراف: ٣١.