الفن الأول: علم المعاني
  ومما جاء بين كلامين وهو أكثر من جملة: قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}(١)؛ فإن قوله: {نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} بيان لقوله: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ
  وينبغي أن يقال: النكتة أن الإخبار بأن علم المرء ينفعه فيه تأكيد لامتثال الأمر في قوله: اعلم. زاد المصنف في الإيضاح: أنه قد يكون لتخصيص أحد مذكورين بزيادة التأكيد في أمر علق بهما، نحو: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ}(٢) أو للاستعطاف، كقول المتنبي:
  وخفوق قلب لو رأيت لهيبه ... يا جنتي، لرأيت فيه جهنما(٣)
  أو التنبيه على سبب أمر غريب، كقول الشاعر:
  فلا هجره يبدو وفى اليأس راحة ... ولا وصله يبدو لنا فنكارمه
  فإن قوله: فلا هجره يبدو يشعر بطلب هجر الحبيب، وهو مستغرب حتى ذكر سببه، وهو أن اليأس راحة فهي المطلوبة، لا أن الهجر نفسه مقصود، وفيه نظر. قد يقال: إن هذا من قسم التكميل؛ لأن فيه دفع إيهام أن يكون الهجر لنفسه مقصودا، ثم قال المصنف:
  ومما جاء بين كلامين، وهو أكثر من جملة أيضا، قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} فإن قوله تعالى:
  نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ متصل بقوله: فَأْتُوهُنَّ لأنه بيان له.
  (قلت): وفى قول المصنف: أن فيه اعتراض أكثر من جملة نظر؛ لأن المراد بقولنا أكثر من جملة: أن لا تكون إحداهما معمولة للأخرى، وإلا فهما في حكم جملة واحدة.
  وقوله تعالى: {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} خبر إن(٤)، فلا يكون مع ما قبله جملتين معترضتين، وكذلك قوله تعالى: {يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} معطوف على الخبر، وفيما ذكره المصنف شبه من قول الزمخشري في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}(٥) إن في هذه الآية الكريمة سبع جمل معترضة:
(١) سورة البقرة: ٢٢٢ - ٢٢٣.
(٢) سورة لقمان: ١٤.
(٣) البيت لأبى الطيب المتنبي في شرح التبيان ٢/ ٣٢٨.
(٤) لعله مقدم عن محله والظاهر أنه بعد على الخبر اه. كتبه مصححه.
(٥) سورة الأعراف: ٩٦.