عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 617 - الجزء 1

  ومما جاء بين كلامين وهو أكثر من جملة: قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}⁣(⁣١)؛ فإن قوله: {نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} بيان لقوله: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ


  وينبغي أن يقال: النكتة أن الإخبار بأن علم المرء ينفعه فيه تأكيد لامتثال الأمر في قوله: اعلم. زاد المصنف في الإيضاح: أنه قد يكون لتخصيص أحد مذكورين بزيادة التأكيد في أمر علق بهما، نحو: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ}⁣(⁣٢) أو للاستعطاف، كقول المتنبي:

  وخفوق قلب لو رأيت لهيبه ... يا جنتي، لرأيت فيه جهنما⁣(⁣٣)

  أو التنبيه على سبب أمر غريب، كقول الشاعر:

  فلا هجره يبدو وفى اليأس راحة ... ولا وصله يبدو لنا فنكارمه

  فإن قوله: فلا هجره يبدو يشعر بطلب هجر الحبيب، وهو مستغرب حتى ذكر سببه، وهو أن اليأس راحة فهي المطلوبة، لا أن الهجر نفسه مقصود، وفيه نظر. قد يقال: إن هذا من قسم التكميل؛ لأن فيه دفع إيهام أن يكون الهجر لنفسه مقصودا، ثم قال المصنف:

  ومما جاء بين كلامين، وهو أكثر من جملة أيضا، قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} فإن قوله تعالى:

  نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ متصل بقوله: فَأْتُوهُنَّ لأنه بيان له.

  (قلت): وفى قول المصنف: أن فيه اعتراض أكثر من جملة نظر؛ لأن المراد بقولنا أكثر من جملة: أن لا تكون إحداهما معمولة للأخرى، وإلا فهما في حكم جملة واحدة.

  وقوله تعالى: {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} خبر إن⁣(⁣٤)، فلا يكون مع ما قبله جملتين معترضتين، وكذلك قوله تعالى: {يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} معطوف على الخبر، وفيما ذكره المصنف شبه من قول الزمخشري في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}⁣(⁣٥) إن في هذه الآية الكريمة سبع جمل معترضة:


(١) سورة البقرة: ٢٢٢ - ٢٢٣.

(٢) سورة لقمان: ١٤.

(٣) البيت لأبى الطيب المتنبي في شرح التبيان ٢/ ٣٢٨.

(٤) لعله مقدم عن محله والظاهر أنه بعد على الخبر اه. كتبه مصححه.

(٥) سورة الأعراف: ٩٦.