الفن الثاني علم البيان
  
  وصاليات ككما يؤثفين(١)
  فأدخل الكاف على الكاف الثالث زيادة مثل، وأنشدوا عليه:
  مثلي لا يقبل من مثلكا(٢)
  الرابع، وهو قريب من الثالث، وينبغي تنزيل الثالث عليه أن لفظة «مثل» يكنى بها عن الشخص نفسه إذا قصدوا المبالغة قالوا: «مثلك لا يبخل»؛ لأنهم إذا نفوه عمن يسد مسده، وعمن هو على أخص صفاته فقد نفوه عنه، ونظيره قولك للعربي: «العرب لا تخفر الذمم» فيكون أبلغ من قولك: «أنت لا تخفر» ولك أن ترد الأربعة إلى وجهين:
  التأكيد، والكناية.
  الخامس لبعض المتكلمين، أن نفى المثل له طريقان: نفيه، ونفى مثله، لأن من لازم المثل أن له مثلا ونفى اللازم يدل على نفى الملزوم، فتحمل الآية على نفى المثل بهذا الطريق من غير زيادة ولا مجاز، وهذا معنى صحيح غير أن العربي الطبع يمجه من غير تأمل، ويصان القرآن والكلام الفصيح عنه، فإن قلت: كيف تحكم بصحته، وقد أورد بعض المتكلمين عليه أنه يلزم منه نفى الذات؟ قلت: بناء على ظاهر الكلام أن المنفى «مثل المثل» ولم يتأمل تمام المعنى، وهو أن المنفى مثل المثل عن شئ فإن شيئا في الآية اسم «ليس»، والكاف خبرها، والمدلول نفى الخبر عن الاسم، والذات يصح أن ينفى عنها أنها مثل لمثلها؛ لأنه لا مثل لها، ولا يمكن هنا غير هذه الطريق، أعنى إذا نفينا عنها أنها مثل مثلها انتفى مثلها ولا يمكن ثبوت المثل ونفى مماثلها، لأن ضرورة العقل تشهد بمماثلة كل من المثلين للآخر اه.
  (تنبيه): قال المصنف في الإيضاح: فإن كان الحذف والزيادة لا توجب تغيير الإعراب كقوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ}(٣) إذ أصله كمثل ذوى صيب لدلالة ما قبله عليه وكذلك قوله تعالى: {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}(٤) وقوله تعالى:
(١) الرجز لحطام المجاشعي في لسان العرب (ثفا)، وتاج العروس (ثفا)، وتمام البيت:
غير خطام ورماد كنفين ... وصاليات ككما يؤثفين
(٢) البيت من السريع، وهو بلا نسبة في الإنصاف ١/ ٣١، وتمام البيت:
يا عاذلى دعني من عذلكا ... مثلي لا يقبل من مثلكا
(٣) سورة البقرة: ١٩.
(٤) سورة آل عمران: ١٥٩.