عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الثالث: علم البديع

صفحة 263 - الجزء 2

  


  نظرا إلى ما دل عليه بالنسبة إلى ما دل عليه مطلق اسم الفاعل، فليتأمل. ثم قال الرماني:

  من المبالغة التعبير بالصفة العامة في موضع الخاصة، كقوله ø: {خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣(⁣١) قال: وكقول القائل: أتاني الناس ولعله لا يكون أتاه إلا خمسة، فاستكثرهم وبالغ في العبارة عنهم. قلت: هذا صحيح، إلا أن التقييد بالخمسة لا أدرى مستنده فيه، وقد أطلق الناس على واحد، كقوله تعالى: {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ}⁣(⁣٢) وأريد نعيم بن مسعود على ما ذكره جماعة على أن الشافعي رضى اللّه عنه نص على أن اسم الناس يقع على ثلاثة فما فوقها، وأن المراد بالناس في قوله تعالى: {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ}⁣(⁣٢) أربعة ثم جعل الرماني من المبالغة إخراج الكلام مخرج الإخبار عن الأعظم للمبالغة كقوله تعالى: {وَجاءَ رَبُّكَ}⁣(⁣٣)، {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ}⁣(⁣٤) وإن كان المراد جاء أمره، وجعل من المبالغة إخراج الممكن إلى الممتنع مثل قوله تعالى: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ}⁣(⁣٥) وجعل من المبالغة إخراج الكلام مخرج الشك، ومثله بقوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}⁣(⁣٦) ونحو قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ}⁣(⁣٧) وجعل منه حذف الأجوبة للمبالغة نحو: {وَلَوْ تَرى}⁣(⁣٨) وهذا كله عرف مما سبق من علم المعاني والبيان. قال عبد اللطيف البغدادي: ومتى وقعت المبالغة في قافية سميت إيغالا وهو أن يأتي البيت تاما من دون القافية، ثم تأتى القافية لحاجة البيت إلى الوزن فيزداد المعنى جودة وأنشد:

  كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الّذى لم يثقّب⁣(⁣٩)

  وقد تقدم هذا في باب الإيجاز والإطناب.

  (تنبيه): سمعت بعض المشايخ يقول: إن صفات اللّه - تعالى - التي هي على صيغة المبالغة كغفار، ورحيم وغفور، ومنان، كلها مجازات، وهي موضوعة للمبالغة ولا مبالغة


(١) سورة الزمر: ٦٢.

(٢) سورة آل عمران: ١٧٣.

(٣) سورة الفجر: ٢٢.

(٤) سورة النحل: ٢٦.

(٥) سورة الأعراف: ٤٠.

(٦) سورة سبأ: ٢٤.

(٧) سورة الزخرف: ٨١.

(٨) سورة السجدة: ١٢.

(٩) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ٥٣، ولسان العرب ٨/ ٤٨ (جزع)، وأساس البلاغة ص ٥٨ (جزع)، وكتاب العين ١/ ٢١٦، وتاج العروس ٢٠/ ٤٣٤ (جزع).