الفن الثالث: علم البديع
  والتدلّه في الحبّ في قوله [من البسيط]:
  باللّه يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاى منكنّ أم ليلى من البشر
  فإنه ادعى أنهم لشدة شبههم بالنساء في الأوصاف الرذيلة، يشك الناظر فيهم أهم قوم، أي رجال، أم نساء، وفيه أن القوم يختص به الرجال على حد قوله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ}(١) وقال الزمخشري: واختصاص القوم بالرجال صريح في الآية وفي البيت المذكور وفي قوله: اختصاص القوم بالرجال نظر، وصواب العبارة أن يقال: اختصاص الرجال بالقوم؛ لما يظهر بأدنى تأمل، وأما قوم عاد وثمود ونحو ذلك فقيل: يشمل الإناث - أيضا - تغليبا، وقال الزمخشري: ليس بمتناول للفريقين، بل قصد ذكر الذكور وترك ذكر الإناث؛ لأنهن توابع لرجالهن. قال: وهو في الأصل جمع «قائم» كصوم وزور، ويجوز أن يكون تسمية بالمصدر، قال بعض العرب: «إذا أكلت أحببت قوما وأبغضت قوما» أي قياما.
  انتهى. ومراده أنه نقل بعد المصدرية إلى اسم الجمع، لكن قوله: إنه في الأصل جمع فيه نظر، لأن فعل ليس من أبنية الجموع، إلا على مذهب أبي الحسن (أو التدله في الحب) أي يتجاهل العارف للتدله في الحب (في قوله) وهو الحسين بن عبد اللّه الغريبى، ونسبه ابن منقذ إلى ذي الرمة:
  باللّه يا ظبيات القاع قلن لنا ... ليلاى منكنّ أم ليلى من البشر(٢)
  كذا قال المصنف والذي يظهر أن هذا من المبالغة في مدح ليلى وأنه من القسم السابق وزاد في الإيضاح قسما لا أستحسن ذكر مثاله(٣)، وقد عدوا من تجاهل العارف ما ينبغي أن يسمى: تجهيل العارف، كقول الكفار لإخوانهم الكفار: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ}(٤) فقد جهلوهم مع كونهم عارفين بالنبي ﷺ لغرض فاسد لهم لعنهم اللّه.
(١) سورة الحجرات: ١١.
(٢) البيت من البسيط، وهو للمجنون في ديوانه ص ١٣٠، وللعرجى في شرح التصريح ٢/ ٢٩٨، والمقاصد النحوية ١/ ٤١٦، ٤/ ٥١٨، والكامل الثقفي أو للعرجى في شرح شواهد المغنى ٢/ ٩٦٢، وذكر مؤلف خزانة الأدب ١/ ٩٧، ومؤلف معاهد التنصيص ٣/ ١٦٧، أن البيت اختلف في نسبته، فنسب للمجنون، ولذي الرمة وللعرجى، وللحسين بن عبد اللّه، ولبدوى اسمه كامل الثقفي. وهو بلا نسبة في الإنصاف ٢/ ٤٨٢، وأوضح المسالك ٤/ ٣٠٣، وتذكرة النحاة ص ٣١٨، وشرح الأشمونى ١/ ٨٧.
(٣) لعله أراد ما ذكر في الإيضاح قوله: «والتحقير في قوله - تعالى - في حق النبي ﷺ حكاية عن الكفار: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ٧} انظر الإيضاح بتحقيقى ص: ٣٣٠.
(٤) سورة سبأ: ٧.