عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

وهي ضربان: معنوى، ولفظي:

صفحة 279 - الجزء 2

  والثاني: حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده، ممّا يحتمله بذكر متعلّقه؛ كقوله [من الخفيف]:

  قلت: ثقّلت إذ أتيت مرارا ... قال: ثقّلت كاهلي بالأيادى


  المذهب الكلامي السابق، لأنه إلزام بالحجة، فإنهم قالوا: الأعز يخرج الأذل، وفريق المؤمنين هو الأعز، فيلزم من ذلك أن المؤمنين يخرجون الكفار بقياس اقتراني. والثاني من القول بالموجب حمل لفظ وقع في كلام غير الشخص على خلاف مراده، مما يحتمله بذكر متعلقه، وينبغي أن يشترط في الاحتمال الذي حمل عليه الكلام أن يكون موجودا، كقوله:

  قلت ثقّلت إذ أتيت مرارا ... قال: ثقّلت كاهلي بالأيادى

  قلت: طوّلت قال لا بل تطوّل ... ت، وأبرمت قال: حبل ودادي⁣(⁣١)

  فإنه قال: بموجب قوله: في «ثقلت» وفي «أبرمت» ولكنه صرفه إلى غير مقصود المتكلم، وحمله على غير مراده، ولا شك أنه - أيضا - نوع من تجاهل العارف، وفيه لطف باعتبار الرد على المتكلم على وجه بلغ الغاية في التأدب وعدم المواجهة بالرد وليس في قوله: قلت: طولت، قال: «لا بل تطولت» قول بالموجب، فإنه رد عليه بقوله: لا، وأثبت شيئا آخر، فإن التطويل غير التطول واعلم أن هذا الضرب الثاني من القول بالموجب، هو الأسلوب الحكيم المذكور في علم المعاني، والذي يظهر أن من القول بالموجب، قوله:

  قالوا: اقترح شيئا نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبّة وقميصا⁣(⁣٢)

  لأنه قال بموجب قولهم، فأجاب بتعيين المطبوخ، كما سألوه وحمل اللفظ الواقع منهم على غير مرادهم، فإنهم أرادوا حقيقة الطبخ، فحمله على مطلق الصنع الذي هو أعم من الطبخ والخياطة، فطلب فردا من أفراد ذلك النوع، وهو الخياطة وسماها طبخا مجازا، كما سبق. قال في الإيضاح: وقريب من هذا قول الآخر:


(١) البيتان في الإشارات لمحمد بن علي الجرجاني ص ٢٨٧، وعزاهما المحقق للحسن بن أحمد المعروف بابن حجاج الشاعر الهازل. وينسبان لمحمد بن إبراهيم الأسدي، وذكر المؤلف أن صواب البيت الثاني:

قال: طولت، قلت: أو ليت طولا ... قال: أبرمت، قلت: حبل ودادي

(٢) البيت لأحمد بن محمد الأنطاكي المعروف بأبى الرقعمق، وهو بلا نسبة في الإشارات للجرجاني ص ٢٦٧.