عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الثالث: علم البديع

صفحة 284 - الجزء 2

  فإن كانا من نوع؛ كاسمين، سمى مماثلا؛ نحو: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ}⁣(⁣١)

  وإن كانا من نوعين، سمى مستوفى؛ كقوله [من الكامل]:

  ما مات من كرم الزّمان فإنّه ... يحيا لدى يحيى بن عبد اللّه


  (من نوع واحد كاسمين سمى مماثلا نحو قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ}) ومن هنا نعلم أن الحركة الإعرابية لا يكون اختلافها مانعا من كون الجناس تاما، لأن ساعة والساعة مختلفا حركة الآخر، وكذلك الألف واللام التعريفية، لا تخل بالتمام لأنها زائدة عن الكلمة، ويقال: ليس في القرآن جناس تام غيرها.

  قيل: ومنه ما روى عنه خلوا بين جرير والجرير أي دعوا له زمانه، ومنه قول الشاعر:

  حدق الآجال آجال ... والهوى للمرء قتّال⁣(⁣٢)

  الأول جمع أجل (بالكسر)، وهو القطيع من بقر الوحش. والثاني، جمع أجل وهو منتهى العمر، ولم يمثلوا للفظين من نوعي فعل، وهو كثير مثل: تربت يمين المسلم وتربت يمين الكافر، أي استغنت الأولى وافتقرت الثانية، وكذلك من نوعي حرف، كقولك: ما منهم من قائم (وإن كانا) أي اللفظان اللذان بينهما جناس تام (من نوعين سمى) الجناس (مستوفى كقوله) أي أبى تمام:

  ما مات من كرم الزّمان فإنّه ... يحيا لدى يحيى بن عبد اللّه⁣(⁣٣)

  واعلم أن تسمية الأول مماثلا، والثاني مستوفى قد يقال: عكسه أولى؛ لأن الأول وقع فيه استيفاء التشابه بين اللفظين، بخلاف الثاني، ولعل جوابه أنهم لاحظوا في التماثل حصول الاستواء من كل وجه، لأن التمثيل كالتشابه، لا يكون إلا عند التساوي من كل وجه، إلا ما به الاختلاف - كما سبق - وهذا مثال لأحد الأقسام، ولم يمثلوا لغيره، فمنه أن يختلفا اسما وحرفا، كقولك: «ما ما فعلت قبيح»، ومنه أن يختلفا فعلا وحرفا، كقوله: إنّ أن الأنين يسلى الكئيبا.


(١) سورة الروم: ٥٥.

(٢) البيت لأبى سعد عيسى بن خالد المخزومي، وهو في التبيان ص ١٦٨، وبلا نسبة في الإشارات ص ٢٨٩.

(٣) البيت من الكامل، وهو لأبى تمام في ديوانه (ص ٣٢٤ / الكتب العلمية) ورواية الديوان: من مات من حدث الزمان فإنه يحيا لدى يحيى بن عبد اللّه، وأسرار البلاغة (ص ١٧ / شاكر)، والتبيان (ص ١٦٦)، والإشارات (ص ٢٩٠)، والمصباح (ص ١٨٤)، والطراز (٢/ ٣٥٧) بلا نسبة.