عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

باب أحوال متعلقات الفعل

صفحة 378 - الجزء 1

  وإمّا لمجرّد الاختصار عند قيام قرينة؛ نحو: أصغيت إليه، أي: أذني؛ وعليه: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}⁣(⁣١) أي: ذاتك.

  وإما للرعاية على الفاصلة؛ نحو: {ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى}⁣(⁣٢).


  {وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ}⁣(⁣٣)؛ لأن الواقع أن كل أحد دعاه الله إلى دار السّلام، فإن قلت: إذا قدرت يدعو من يشاء، وقد شاء دعاء كل أحد طابق ما بعده وحصل العموم؛ لأن المعنى من يشاء أن يدعوه. قلت: إنما يحذف في الأول ما في الثاني، والذي في الثاني تقديره: من شاء أن يهديه، فلو قدرنا مثله في الأول لكان تقديره يدعو من يشاء هدايته، وهو غير المراد، ويمكن النزاع فيه وأن يقال: تقدير من يشاء هدايته يدل على تقدير من يشاء دعوته؛ لأن قرينة كل مفعول محذوف فعله فالجواب حينئذ أنا لو قدرنا: يدعو من يشاء لأوهم انقسام الناس إلى مدعو وغيره كانقسامهم إلى مهدى وغيره، ولك أن تقول: الحذف للاختصار، وأما التعميم فمن أين استفدناه؟! وإفادة التعميم من هذه الآية إنما حصل من خصوص الآية بدليل خارجي.

حذف الفعل لمجرد الاختصار:

  وإما للاختصار عند قيام قرينة دالة على إرادة الاختصار نحو: أصغيت إليه أي:

  أذني وهو من الأفعال التي أميت ذكر مفعولها ومنه: {فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ}⁣(⁣٤) أي:

  أنفسكم، وبنى على امرأته، أي: قبة، ورجع عن الغواية أي: نفسه. ومنه قوله تعالى:

  أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ أي ذاتك.

  (قلت): وعندي أن ترك المفعول هنا للتعظيم، وعلى ما سبق صحح الزمخشري قول أبى نواس:

  وإذا نزعت عن الغواية فليكن ... لله ذاك النّزع لا للنّاس⁣(⁣٥)

  قال: لأن الفعل متعد في أصله فلا عليه إذ نظر إلى الأصل.

حذف الفعل لرعاية الفاصلة:

  وإما لرعاية الفاصلة، وعبارة المصنف للرعاية على الفاصلة، وفيها نظر، ولعله ضمنه معنى المحافظة، ومثاله قوله تعالى: {ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى} أي: ما قلاك فإنه روعى قوله تعالى: {سَجى}⁣(⁣٦).


(١) سورة الأعراف: ١٤٣.

(٢) سورة الضحى: ٣.

(٣) سورة يونس: ٢٥.

(٤) سورة البقرة: ١٩٨.

(٥) البيت لأبى نواس في ديوانه ص: ٢٨٤، والطراز ح ٣ ص: ١٨١، وفى المصباح ص: ٢٧٢.

(٦) سورة الضحى: ٢.