شروط فصاحة الكلام
  قيل(١): ومن كثرة التّكرار، وتتابع الإضافات؛ كقوله [من الطويل]:
  سبوح لها منها عليها شواهد(٢)
  للبس عباءة وتقرّ عيني أحبّ(٣)
  ويؤيده أمور:
  أحدها: تصريح جماعة كالخطيبى في مغنى اللبيب، بأنه أراد طلب سكب الدموع.
  الثاني: أنه المطابق للنصف الأول.
  الثالث: أنه لا يحسن أن يقول ستسكب عيناي الدموع، والفرض أنها ساكبة كما أن الدار بعيدة، وإنما تجدد طلبه لهما. بقي هنا فائدة: وهو أن هذا البيت على كثرة المستحسنين له، قد يقال: فاسد المعنى؛ لأنه إذا كان الدهر يناكده فكيف يخلص من ذلك بأن يطلب بعد الدار ليقرب، والطلب هنا هو النفسي. فإن كان مستمرا على طلب القرب لم يقرب أبدا، ولا يمكن حينئذ جعل طلب البعد وسيلة له؟
  وجوابه: أنه الآن يقول: سأطلبها؛ لتقربوا، وهو حال طلب البعد لا يطلبه للقرب، فقوله: لتقربوا علة لقوله: سأطلب لا لأطلب، أو يجعل متعلقا ببعد، والمعنى ما سبق، ثم نقول: من أين لنا أنه لم يرد حقيقة الجمود؟
شروط فصاحة الكلام:
  ص: (قيل: ومن كثرة التكرار وتتابع الإضافات).
  (ش): أي من الناس من شرط في فصاحة الكلام أن يكون خاليا من كثرة التكرار، وتتابع الإضافات، وأنشد على الأول قول أبى الطيب:
  وتسعدنى في غمرة بعد غمرة ... (سبوح لها منها عليها شواهد)(٤)
(١) أي فصاحة الكلام ترجع أيضا إلى خلوصه من كثرة التكرار ... إلخ.
(٢) مثال لكثرة التكرار. والبيت للمتنبى وصدره: وتسعدنى في غمرة بعد غمرة، وسبوح أي فرس حسن الجرى لا تتعب راكبها، كأنها تجرى في الماء.
(٣) صدر بيت من الوافر، وعجزه: «أحب إلى من لبس الشفوف» وهو لميسون بنت بحدل في خزانة الأدب ٨/ ٥٠٣، ٥٠٤، والدرر ٤/ ٩٠، وشرح شذور الذهب ص ٤٥، ولسان العرب (مسن).
(٤) البيت من الطويل، وهو لأبى الطيب المتنبي في ديوانه (٢/ ٧٠)، والإيضاح ص ٨، وشرح التبيان ١/ ١٨٧، والإشارات والتنبيهات ص ١٣، وشرح عقود الجمان ١/ ١٦، والتبيان للطيبي ٢/ ٥٢٦، وبلا نسبة في التلخيص للقزوينى ص ٨.