[لا]:
  الأوَّل: قولهُ تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ}(١)، قال اللَّيْث: تأْتي لا زائِدَة مع اليَمِين كقَوْلِكَ لا أُقْسِمُ بالله.
  وقال الزجَّاج: لا اخْتِلافَ بينَ الناسِ أَنَّ مَعْنَى قَوْله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ} وأشْكالِه في القُرْآنَ مَعْناهُ أَقْسِم، واخْتَلَفُوا في تَفْسِيرِ لا فقالَ بعضٌ: لا لَغْوٌ، وإن كانت في أَوَّل السُّورَةِ، لأنَّ القُرْآنِ كُلّه كالسُورَةِ الواحِدَةِ لأنَّه مُتَّصِلٌ بَعْضه ببعضٍ، وقالَ الفرَّاء: لا رَدٌّ لكَلامٍ تقدَّمَ، كأنَّه قيلَ ليسَ الأَمْرُ كما ذَكَرْتُم فجعلها نافِيَةً وكان يُنْكِرُ على مَنْ يقولُ إنَّها صِلَةٌ، وكان يقولُ لا يبتدأُ بجَحْدٍ ثم يجعلُ صِلَةً يُرادُ به الطَّرْح، لأنَّ هذا لو جازَ لم يُعْرَف خَبَرٌ فيه جَحْد مِن خَبَرٍ لا جَحْدَ فيه، ولكنَّ القُرْآنَ نزلَ بالرَّدِّ على الذين أَنْكَروا البَعْثَ والجنَّةَ والنارَ، فجاءَ الإقْسامُ بالرَّدِّ عليهم في كثيرٍ مِن الكَلامِ المُبْتدأِ منه وغَيْر المُبْتدأ كقَوْلكَ في الكَلامِ لا والله لا أَفْعَل ذلك، جَعَلُوا لا، وإن رأَيْتَها مُبْتدأَةً، رَدًّا لكَلامٍ قد مَضَى، فلو أُلْغِيَتْ لا ممَّا يُنْوَى به الجوابُ لم يَكُنْ بينَ اليَمِينِ التي تكونُ جَواباً وباليمين التي تُسْتَأْنفُ فَرْقٌ، انتَهَى.
  وقال التَّقيُّ السَّبكي في رِسالَتِه المَذْكورَةِ عنْدَ قولِ الأَبدِي إنَّ لا لا تَدْخُلُ إلَّا لتَأْكِيدِ النَّفْي مُعْتذراً عنه في هذه المَقالَة بِما نَصَّه: ولعلَّ مُرادَه أنَّها لا تَدْخُل في أثْناءِ الكَلامِ إلَّا للنَّفْي المُؤَكّد بخِلافِ ما إذا جاءَتْ في أَوَّلِ الكَلامِ قد يُرادُ بها أَصْلُ النَّفْي كقوله: لا أُقْسِمُ وما أَشْبَهه، انتَهَى.
  فهذا مَيْلٌ منه إلى ما ذَهَبَ إليه الفرَّاء. ومنهم مَنْ قال إنَّها لمجَرَّدِ التَّوْكيدِ وتَقْوِيَةِ الكَلامِ، فتأَمَّل.
  * الثَّاني: قولهُ تعالى: {قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً}(٢)؛ فقيلَ: لا نافِيَة، وقيل: ناهِيَة، وقيل: زائِدَةٌ، والجَمْيعُ(٣) مُحْتَمل، وما خَبَرِيَّة بمعْنَى الذي مَنْصُوبَة بأَتْلُ، و {حَرَّمَ رَبُّكُمْ} صِلَةٌ، و {عَلَيْكُمْ} مُتَعَلَّقٌ بـ {حَرَّمَ}.
  * الثَّالث: قوْلُه تعالى: {وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ}(٤)، فيمَنْ فَتَح الهَمْزَةَ، فقالَ الخليلُ والفارِسِيُّ: لا زائِدَةٌ وإلَّا لكانَ عُذراً لَهُم، أَي للكُفَّار؛ ورَدَّه الزجَّاجُ وقالَ: إنَّها نافِيَةٌ في قراءَةِ الكَسْرِ، فيجبُ ذلكَ في قِراءَةِ الفَتْح، وقيل: نافِيَةٌ وحُذِفَ المَعْطوفُ أَي أَو أنَّهمُ يُؤْمِنُون. وقالَ الخليلُ مَرَّة: أَنّ بمعْنَى لعلَّ وهي لُغَةٌ فيه.
  * الرابع: قولُه تعالى: {وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ}(٥)؛ قيلَ زائِدَة، والمَعْنى مُمْتَنِعٌ على أَهْلِ قَرْيةٍ قَدَّرْنا إهْلاكَهم لكُفْرِهم أَنَّهم يَرْجِعُون عن الكُفْرِ إلى القِيامَةِ، وهذا قَرِيبٌ مِن تَقْريرِ الفرَّاء الذي تقدَّم؛ وقيل: نافِيَةٌ، والمَعْنى مُمْتَنِعٌ عليهم أَنَّهم لا يَرْجِعُون إلى الآخِرَة.
  * الخامس: قولهُ تعالى: {وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً}(٦)، قُرئَ في السَّبْع برَفْع {يَأْمُرَكُمْ} ونَصْبِه، فمَنْ رَفَعَه قَطَعَه عمَّا قَبْلَه، وفاعِلُه ضَمِيرُه تعالى أَو ضَمِيرُ الرَّسُولِ، ولا على هذه نافِيَةٌ لا غَيْر؛ ومَنْ نَصَبَه فهو مَعْطوفٌ على {يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ}، وعلى هذا لا زائِدَةٌ مُؤَكَّدَةٌ لمعْنَى النَّفْي.
  * السَّادس: قولُه تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}(٧)، قيل: لا بمعْنَى لم، ومِثْله في: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلّى}(٨)، إلَّا لا بهذا المَعْنى إذا كُرِّرَتْ أَسْوَغُ وأَفْصَحُ منها إذا لم تُكَرَّرْ؛ وقد قالَ الشاعرُ:
  وأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لا أَلَمَّا؟(٩)
  وقال بعضُهم: لا في الآيةِ بمعْنَى ما، وقيلَ: فلا بمعْنَى فهَلَّا؛ ورَجَّح الزجَّاجُ الأوَّل.
(١) سورة القيامة، الآية ١.
(٢) سورة الأنعام، الآية ١٥١.
(٣) عن مغني اللبيب ص ٣٣٠ وبالأصل «والجمع».
(٤) سورة الأنعام، الآية ١٠٩.
(٥) سورة الأنبياء، الآية ٩٥.
(٦) سورة آل عمران، الآية ٨٠.
(٧) سورة البلد، الآية ١١.
(٨) سورة القيامة، الآية ٣١.
(٩) الرجز لأمية بن أبي الصلت كما في التهذيب، ولم ينسبه في اللسان وقبله:
إن تغفر اللهم تغفر جمّا