[لا]:
  *مهمة وفيها فوائد*:
  الأُولى: قولُ الشاعرِ:
  أَبَى جُودُه لا البُخْلَ واسْتَعْجلتْ نَعَمْ ... بهِ مِنْ فَتًى لا يَمْنَعُ الجُوعَ قاتِلَهْ(١)
  ذَكَرَ يونُسُ أَنَّ أَبا عَمْرو بنَ العَلاءِ كانَ يجرُّ البُخْل ويَجْعَل لا مُضافَةً إليه، لأنَّ لا قد تكونُ للجُودِ وللبُخْلِ، أَلا تَرى أنه لو قيلَ له امْنَعِ الحَقَّ فقالَ: لا كانَ جُوداً منه؟ فأَمَّا إنْ جَعَلْتها لَغْواً نصبْتَ البُخْلَ بالفِعْل وإنْ شِئْتَ نصبْتَه على البَدَلِ؛ قال أَبو عَمْرو: أَرادَ أَبي جُودُه لا التي تُبَخِّلُ الإِنْسانَ كأنَّه إذا قيلَ لا تُسْرِفْ ولا تُبَدِّرْ أَبى جُودُه قولَ لا هذه، واسْتَعْجَلَتْ بهِ نَعَمْ فقالَ: نَعَمْ أَفْعَلْ ولا أَتْركُ الجُودَ.
  قال الزجَّاجُ: وفيه قولانِ آخَرانِ على رِوايَةِ مَنْ رَوَى أَبَى جُودُه لا البُخْل بنَصْبِ اللامِ: أَحَدُهما مَعْناه أَبَى جُودُه البُخْلَ وتَجْعل لا صِلَةً؛ والثاني: أَنْ تكونَ لا غَيْرَ لَغْوٍ ويكونُ البُخْلُ مَنْصوباً بَدَلاً مِن لا، المَعْنى أَبَى جُودُه لا التي هي للبُخْلِ، فكأَنَّك قُلْتَ أَبَى جُودُه البُخْلَ وعَجَّلَتْ بهِ نَعَم.
  وقال ابنُ برِّي: مَنْ خَفَضَ البُخْل فعَلَى الإضافَةِ، ومَنْ نَصَبَ جَعَلَه نَعْتاً للا، ولا في البَيْتِ اسْمٌ، وهو مَفْعولٌ لأَبَى، وإنَّما أَضافَ لا إلى البُخْل لأنَّ لا قد تكونُ للجُودِ، قال: وقولهُ إنْ شِئْتَ نصبْتَه على البَدَلِ قال: يَعْني البُخْل تَنْصبُه على البَدَلِ مِن لا لأنَّ لا هي البُخْل في المَعْنى، فلا تكونُ لَغْواً على هذا القَوْلِ.
  * الثانية: قال اللّيْثُ: العَرَبُ تَطْرحُ لا وهي مَنْوِيَّة كقولِكَ: والله أَضْربُكَ، تُريدُ والله لا أَضْرِبُك؛ وأَنْشَدَ:
  وآلَيْتُ آسَى على هالِكٍ ... وأَسْأَلُ نائحةً ما لَها(٢)
  أَرادَ لا آسَى ولا أَسْأَل.
  قال الأزْهري: وأفادَ ابنُ المُنْذرِي عن اليَزِيدِي عن أَبي زيدٍ في قولهِ تعالى: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}(٣)، قال: مَخَافَة أَن تَضِلُّوا وحِذارِ أَن تَضِلُّوا، ولو كانَ أَنْ لا تَضِلُّوا لكانَ صَواباً؛ قال الأزْهرِي: وكَذلكَ أَن لا تَضِلَّ وأَنْ تَضِلَّ بمعْنًى واحِدٍ، قال: وممَّا جاءَ في القُرْآنِ مِن هذا: {أَنْ تَزُولا}(٤)، يُريدُ أَنْ لا تَزُولا، وكَذلكَ قولهُ تعالى: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}(٥)، أَي أَنْ لا تَحْبَطَ؛ وقولُه تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ}(٦) {قَبْلِنا}؛ مَعْناه أَنْ لا تَقولُوا.
  * الثَّالثة: أَنْ لا إذا كانتْ لنَفْي الجِنْس جازَ حَذْفُ الاسْم لقَرِينَةٍ نحو: لا عَلَيْك، أَي لا بَأَسَ عليك، وقد يُحْذَفُ الخَبَرُ إذا كانَ مَعْلوماً نحو: لا بَأْسَ.
  * الرابعة: أَنْشَدَ الباهِلي للشمَّاخ:
  إذا ما أدَلَجَتْ وضَعَتْ يَدَاها ... لَها الإدْلاجُ لَيْلَة لا هُجُوعِ(٧)
  أَي عَمِلَتْ يَداها عَمَلَ الليلةِ التي لا تهْجَعُ فيها، يَعْني الناقَةَ، ونَفَى بِلا الهُجُوعَ ولم يُعْمِلْ، وتَرَكَ هُجُوع مَجْروراً على ما كانَ عليه مِن الإضافَةِ؛ ومِثْلُه قولُ رُؤْبة:
  لقد عرَفْتُ حِينَ لا اعْتِرافِ
  نَفَى بِلا وتَرَكَه مَجْروراً؛ ومِثْلُه:
  أَمْسَى ببَلْدَةِ لا عَمٍّ ولا خالِ
  * الخامِسةُ: قد تُحْذَفُ أَلفُ لا تَخْفيفاً كقِراءَةِ مَنْ قَرَأَ: واتَّقُوا فِتْنَةً لتصِيبَنَّ الذين(٨) ظَلَمُوا؛ خَرَّجَ على حَذْفِ أَلفِ لا، والقِراءَةُ العامَّة {لا تُصِيبَنَّ}، وهذا كما قالوا أَم والله في أَما والله.
(١) البيت في اللسان والصحاح والشاهد ٤٥٣ من شواهد المغني، ولم ينسبوه.
(٢) اللسان والتهذيب بدون نسبة والبيت للخنساء، ديوانها ط بيروت ص ١٢٠ برواية: فآليت ... وأسأل باكية ..»
(٣) سورة النساء، الآية ١٧٦.
(٤) سورة فاطر، الآية ٤١ وتمامها: {إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا}.
(٥) سورة الحجرات، الآية ٢.
(٦) سورة الأنعام، الآية ١٥٦.
(٧) اللسان والتهذيب.
(٨) سورة الأنفال، الآية ٢٥.