تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[لا]:

صفحة 405 - الجزء 20

  *مهمة وفيها فوائد*:

  الأُولى: قولُ الشاعرِ:

  أَبَى جُودُه لا البُخْلَ واسْتَعْجلتْ نَعَمْ ... بهِ مِنْ فَتًى لا يَمْنَعُ الجُوعَ قاتِلَهْ⁣(⁣١)

  ذَكَرَ يونُسُ أَنَّ أَبا عَمْرو بنَ العَلاءِ كانَ يجرُّ البُخْل ويَجْعَل لا مُضافَةً إليه، لأنَّ لا قد تكونُ للجُودِ وللبُخْلِ، أَلا تَرى أنه لو قيلَ له امْنَعِ الحَقَّ فقالَ: لا كانَ جُوداً منه؟ فأَمَّا إنْ جَعَلْتها لَغْواً نصبْتَ البُخْلَ بالفِعْل وإنْ شِئْتَ نصبْتَه على البَدَلِ؛ قال أَبو عَمْرو: أَرادَ أَبي جُودُه لا التي تُبَخِّلُ الإِنْسانَ كأنَّه إذا قيلَ لا تُسْرِفْ ولا تُبَدِّرْ أَبى جُودُه قولَ لا هذه، واسْتَعْجَلَتْ بهِ نَعَمْ فقالَ: نَعَمْ أَفْعَلْ ولا أَتْركُ الجُودَ.

  قال الزجَّاجُ: وفيه قولانِ آخَرانِ على رِوايَةِ مَنْ رَوَى أَبَى جُودُه لا البُخْل بنَصْبِ اللامِ: أَحَدُهما مَعْناه أَبَى جُودُه البُخْلَ وتَجْعل لا صِلَةً؛ والثاني: أَنْ تكونَ لا غَيْرَ لَغْوٍ ويكونُ البُخْلُ مَنْصوباً بَدَلاً مِن لا، المَعْنى أَبَى جُودُه لا التي هي للبُخْلِ، فكأَنَّك قُلْتَ أَبَى جُودُه البُخْلَ وعَجَّلَتْ بهِ نَعَم.

  وقال ابنُ برِّي: مَنْ خَفَضَ البُخْل فعَلَى الإضافَةِ، ومَنْ نَصَبَ جَعَلَه نَعْتاً للا، ولا في البَيْتِ اسْمٌ، وهو مَفْعولٌ لأَبَى، وإنَّما أَضافَ لا إلى البُخْل لأنَّ لا قد تكونُ للجُودِ، قال: وقولهُ إنْ شِئْتَ نصبْتَه على البَدَلِ قال: يَعْني البُخْل تَنْصبُه على البَدَلِ مِن لا لأنَّ لا هي البُخْل في المَعْنى، فلا تكونُ لَغْواً على هذا القَوْلِ.

  * الثانية: قال اللّيْثُ: العَرَبُ تَطْرحُ لا وهي مَنْوِيَّة كقولِكَ: والله أَضْربُكَ، تُريدُ والله لا أَضْرِبُك؛ وأَنْشَدَ:

  وآلَيْتُ آسَى على هالِكٍ ... وأَسْأَلُ نائحةً ما لَها⁣(⁣٢)

  أَرادَ لا آسَى ولا أَسْأَل.

  قال الأزْهري: وأفادَ ابنُ المُنْذرِي عن اليَزِيدِي عن أَبي زيدٍ في قولهِ تعالى: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}⁣(⁣٣)، قال: مَخَافَة أَن تَضِلُّوا وحِذارِ أَن تَضِلُّوا، ولو كانَ أَنْ لا تَضِلُّوا لكانَ صَواباً؛ قال الأزْهرِي: وكَذلكَ أَن لا تَضِلَّ وأَنْ تَضِلَّ بمعْنًى واحِدٍ، قال: وممَّا جاءَ في القُرْآنِ مِن هذا: {أَنْ تَزُولا}⁣(⁣٤)، يُريدُ أَنْ لا تَزُولا، وكَذلكَ قولهُ تعالى: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}⁣(⁣٥)، أَي أَنْ لا تَحْبَطَ؛ وقولُه تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ}⁣(⁣٦) {قَبْلِنا}؛ مَعْناه أَنْ لا تَقولُوا.

  * الثَّالثة: أَنْ لا إذا كانتْ لنَفْي الجِنْس جازَ حَذْفُ الاسْم لقَرِينَةٍ نحو: لا عَلَيْك، أَي لا بَأَسَ عليك، وقد يُحْذَفُ الخَبَرُ إذا كانَ مَعْلوماً نحو: لا بَأْسَ.

  * الرابعة: أَنْشَدَ الباهِلي للشمَّاخ:

  إذا ما أدَلَجَتْ وضَعَتْ يَدَاها ... لَها الإدْلاجُ لَيْلَة لا هُجُوعِ⁣(⁣٧)

  أَي عَمِلَتْ يَداها عَمَلَ الليلةِ التي لا تهْجَعُ فيها، يَعْني الناقَةَ، ونَفَى بِلا الهُجُوعَ ولم يُعْمِلْ، وتَرَكَ هُجُوع مَجْروراً على ما كانَ عليه مِن الإضافَةِ؛ ومِثْلُه قولُ رُؤْبة:

  لقد عرَفْتُ حِينَ لا اعْتِرافِ

  نَفَى بِلا وتَرَكَه مَجْروراً؛ ومِثْلُه:

  أَمْسَى ببَلْدَةِ لا عَمٍّ ولا خالِ

  * الخامِسةُ: قد تُحْذَفُ أَلفُ لا تَخْفيفاً كقِراءَةِ مَنْ قَرَأَ: واتَّقُوا فِتْنَةً لتصِيبَنَّ الذين⁣(⁣٨) ظَلَمُوا؛ خَرَّجَ على حَذْفِ أَلفِ لا، والقِراءَةُ العامَّة {لا تُصِيبَنَّ}، وهذا كما قالوا أَم والله في أَما والله.


(١) البيت في اللسان والصحاح والشاهد ٤٥٣ من شواهد المغني، ولم ينسبوه.

(٢) اللسان والتهذيب بدون نسبة والبيت للخنساء، ديوانها ط بيروت ص ١٢٠ برواية: فآليت ... وأسأل باكية ..»

(٣) سورة النساء، الآية ١٧٦.

(٤) سورة فاطر، الآية ٤١ وتمامها: {إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا}.

(٥) سورة الحجرات، الآية ٢.

(٦) سورة الأنعام، الآية ١٥٦.

(٧) اللسان والتهذيب.

(٨) سورة الأنفال، الآية ٢٥.