[لولا]:
  * الثَّانية: قولُ عُمَر، رضي الله تعالى عنه: «لو لم يَخفِ الله لم يَعْصه»، إنْ قُلْتَ إذا جَعَلْنا لو للامْتِناع فهو صَرِيحٌ في وُجُودِ المَعْصِيةِ مُسْتنداً إلى وُجُودِ الخَوْفِ، وهذا لا يَقْبلُه العَقْل؛ الجوابُ: المَعْنى لو انْتَفَى خَوْفُه انْتَفَى عصْيانُه لكنَّه لم يَنْتَفِ خَوْفُه فلم يَنْتَفِ عِصْيانه مُسْتنداً إلى أَمْرٍ وَراء الخَوْفِ.
  * الثَّالثة: قوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا}(١)، قد يقالُ إنَّ الجُمْلَتَيْن يَتَرَكَّبُ منهما قِياسٌ وحينَئِذٍ ينتج لو عَلِمَ الله فيهم خيْراً لتولوا، وهذا يَسْتَحِيلُ؛ الجوابُ: إنَّ التَّقْديرَ لا يسمعهم إسْماعاً نافعاً ولو أَسْمَعَهم إسْماعاً غَيْر نافِع لتولوا. جوابٌ ثانٍ: أن يُقدّرَ ولو أَسْمَعَهم على تَقْدير عَدَم عِلْم الخَيْر فيهم. جوابٌ ثالثٌ: أنَّ التَّقْديرَ ولو عَلِمَ الله فيهم خَيْراً وَقْتاً مَّا لتولوا بعْدَ ذلكَ؛ قالَهُ السَّبْكي(٢).
  * وممَّا يُسْتدركُ عليه:
  [لولا]: لولا: قالَ الجَوْهري: مُرَكَّبةٌ مِن مَعْنى أَنْ ولَوْ، وذلك أنَّ لولا تَمْنَعُ الثاني مِن أَجْلِ وُجُودِ الأوَّلِ تقولُ: لولا زَيْدٌ لهَلكَ عَمْرو، أَي امْتَنَعَ وُقُوعُ الهَلاكِ مِن أجْلِ وُجُودِ زَيْد هناك.
  قال ابنُ برِّي: ظاهِرُ كلامِ الجَوْهرِي يَقْضِي بأَنَّ لولا مُركَّبَةٌ مِن أَن المَفْتوحَة ولو، لأَنَّ لو للامْتِناعِ وأنْ للوُجُودِ، فجَعَلَ لولا حَرْفَ امْتِناعٍ لوُجُودٍ، انتَهَى.
  وقال المبرِّدُ: لولا تَمْنَعُ الشيءَ مِن أَجْلِ وُقُوعِ غيرِهِ.
  وقال ابنُ كَيْسان: المَكْنِيُّ بَعْدَ لَوْلا له وَجْهان: إنْ شِئْتَ جِئْتَ بمَكْني المَرْفوع فقلْتَ لَوْلا هو ولَوْلا هُمْ ولَوْلا هي ولَوْلا أَنْتَ، وإنْ شِئْتَ وصلْتَ المَكْنيَّ بها فكان كمَكْنِيِّ الخَفْضِ، والبَصْريّون يقولونَ: هو خَفْض، والفرَّاء يقولُ. وإن كانَ في لَفْظِ الخَفْضِ فهو في مَوْضِعِ الرَّفْع، قالَ: وهو أَقْيَسُ القَوْلَيْن، تقول: لَوْلاكَ ما قُمْتُ ولَوْلايَ ولَوْلاهُ ولَوْلاهَا ولَوْلاهُم، والأجْودُ لَوْلا أَنْتَ كما قال، ø: {لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنّا مُؤْمِنِينَ}(٣)؛ وقال الشاعرُ:
  ومَنْزلِةٍ لَوْلايَ طِحْتَ كما هَوَى ... بأَجْرامِه مِن قُنَّةِ النِّيقِ مُنْهَوي
  وأَنْشَدَ الفرَّاء:
  أَيَطْمَعُ فِينا مَنْ أَراقَ دِماءَنا ... ولَوْلاهُ لَمْ يَعْرِضْ لأَحْسابِنا حَسَنْ
  ورَوَى المُنْذري عن ثَعْلب قالَ: لَوْلا إذا وَلِيَتِ الأسْماء كانتْ جزاءً وإذا وَلِيَتِ الأفْعالَ كانتْ اسْتِفْهاماً.
  وفي البصائِرِ للمصنِّفِ: لَوْلا على أرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
  * أَحَدُها: أن تَدْخُلَ على جملتين(٤) اسْمِيَّةٍ ففعْلِيَّةٍ لرَبْطِ امْتِناعِ الثَّانِيَةِ بوُجُودِ الأُولى، نحو: لَوْلا زَيْد لأَكْرَمْتكَ، أَي لَوْلا زَيْدٌ مَوْجودٌ وأَمَّا الحديثُ: «لَوْلَا أَنْ أَشقَّ على أُمَّتي لأَمَرْتَهم بالسّواكِ عنْدَ كلِّ صلاةٍ»، فالتَّقْدير: لَوْلا مَخافَة أَنْ أَشقَّ لأَمَرْتَهم أَمْرَ إيجابٍ وإلَّا لانْعَكَس مَعْناهُ إذا المُمْتَنِع المَشَقَّة والمَوْجُودُ الأَمْر.
  * الثَّاني: تكونُ للتَّحْضيضِ والعَرض فتَخْتَص بالمُضارعِ أَو ما في تأْوِيلِه نحو: {لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ}(٥)، و {لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ}(٦)، والفَرْقُ بَيْنهما أنَّ التَّحْضِيضَ طَلَبٌ بِحَثٍّ(٧) والعَرْض طَلَبٌ برِفْقٍ وتأَدّبٍ.
  * الثَّالث: تكونُ للتَّوْبيخِ والتَّنْديدِ(٨) فتَخْتَص بالماضِي، كقوله تعالى: {لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ}(٩) {... فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً}(١٠)؛ ومنه: {لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ}(١١) {قُلْتُمْ}
(١) سورة الأنفال، الآية ٢٣.
(٢) ثمة بحث مستفيض لابن هشام في مغني اللبيب، انظره فيه ط دار الفكر بيروت ص ٣٣٧ وما بعدها.
(٣) سورة سبأ، الآية ٣٢.
(٤) زيادة عن مغني اللبيب ص ٣٥٩ للإيضاح.
(٥) سورة النمل، الآية ٤٦.
(٦) سورة المنافقون، الآية ١٠.
(٧) في مغني اللبيب: طلبٌ بحثّ وإزعاج، والعرض طلب بلين وتأدب.
(٨) مغني اللبيب: والتنديم.
(٩) سورة النور، الآية ١٣.
(١٠) سورة الأحقاف، الآية ٢٨.
(١١) سورة النور، الآية ١٦.