[لوما]:
  تعالى: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ(١) {باقٍ}؛ وتكونُ تامَّةً وهي نَوعانِ: عامَّةٌ وهي مُقَدَّرَةٌ بقَوْلِكَ الشيءَ، وهي التي لم يَتَقَّدَمْها اسمٌ، كقوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ}(٢)، أَي فَنِعْمَ الشَّيءُ هي، وقيلَ: التَّقْديرُ في الآيةِ: فنِعْمَ الشيءُ شيئاً إبداؤُها فحُذِفَ الإبْداءُ وأُقِيم المَكْنيُّ مقامَه أَعْنِي هي فما حينَئِذٍ نَكِرَة؛ قالَهُ ابنُ فارِس.
  وخاصَّةً: وهي التي يَتَقَدَّمُها ذلكَ ويُقَدَّرُ مِن لَفْظِ ذلكَ الاسْمِ، نحوُ قولِهم: غَسَلْتُه غَسْلاً نِعِمَّا أَي نِعْمَ الغَسْلُ.
  * القسم الثَّاني مِن الأَقْسامِ الثَّلاثَةِ: تكونُ نَكِرَةً مجردةً عن معْنَى الحَرْفِ، وتكونُ ناقِصَةً وهي المَوْصوفةُ؛ وقالَ الجَوْهرِي: يَلْزَمُها النَّعْت وتُقَدَّرُ بقَوْلِكَ شيءٍ نحْو: مَرَرْتُ بما مُعْجِبٍ لكَ أَي بشيءٍ مُعْجِبٍ لكَ؛ وتكونُ تامَّةً وتَقَعُ في ثلاثَةِ أَبوابٍ: التّعَجُّبُ: كقولك: ما أَحْسَنَ زَيْداً، أَيْ شيءٌ أَحْسَنَ(٣) زَيْداً، وقالَ ابنُ فارِس: قال بعضُ النَّحويِّين ما التي تكونُ نَكِرَةً قَوْلهم في التَّعَجُّبِ ما أَحْسَنَ زَيْداً، ونحنُ نُخالِفُ هذا القَوْلَ لأنَّ أَصْلَ ما هذه الاسْتِفهامُ فهي نَكِرَةٌ، ومنه قوله تعالى: {فَنِعِمّا هِيَ}(٤)، وومِن ذلكَ بابُ نِعْمَ وبِئْسَ نحوُ: غَسَلْتُه غَسْلاً نِعِمَّا، أَي نِعْمَ شيئاً، قال ابنُ فارِس: ومِن وُجُوهِ ما التي تَتَّصِلُ بنِعْمَ وبِئْسَ كقَوْله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ}(٥)، وقوله: {إِنَّ اللهَ نِعِمّا يَعِظُكُمْ}(٦) {بِهِ}، فما في الآيتين جَمِيعاً اسْمٌ. وقال بعضُ عُلمائِنا: يحْتَملُ أَنْ يكونَ ما مَعْرِفةً وأَنْ يكونَ نَكِرَةً، فإنْ قُلْنا إنَّه مَعْرفَةٌ فمَوضِعُه رَفْعٌ، وإنْ قُلْنا إنَّه نَكِرَةٌ ففي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وقالوا تَقْديرُه: إنَّ الله نِعْمَ الذي يعظكُم به مَوْعِظَته، وفي النّكِرَةِ: نِعْم شيئاً يَعظكُم به مَوْعِظَته، وإنَّما حُذِفَ ذِكْرُ المَوْعظَةِ لأنَّ الكَلَامَ دالٌّ عليه، وقوله تعالى: {مَثَلاً ما بَعُوضَةً}(٧)، فقال قَوْمٌ: ما نَكِرَة و {بَعُوضَةً} نَعْتٌ له قالوا {فَما فَوْقَها} نَكِرَة أيضاً وتقديرُه أن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً شيئاً بَعوضَة فشيئاً قال ومن النكرة قوله ربَّما تكره النُّفُوسُ مِن الأَمْرِ.
  فما هذه نَكِرَةٌ تَقْديرُه رُبَّ شيءٍ تَكْرَهه. وإذا أَرادُوا المُبالَغَةَ في الإِخْبارِ عن أَحَدٍ بالإكْثارِ مِن فِعْلٍ كالكِتابَةِ قالوا: إنَّ زَيْداً مما أَن يَكْتُبَ، أَي أَنَّه مَخْلُوقٌ مِن أَمْرٍ، ذلكَ الأَمْرُ هو الكِتابَةُ.
  * القسْمُ الثَّالثُ مِن الأقْسامِ الثَّلاثَةِ: أَنْ تكونَ نَكِرَةً مُضَمَّنَةً معْنَى الحَرْفِ وهي نَوْعانِ؛ ذكرَ النَّوْع الأوَّل كما تَرَى ولم يذكر النَّوْع الثاني إلَّا بَعْد ماذا فليُتَنَبَّه لذلكَ؛ أَحَدُهما: الاسْتِفْهامِيَّةُ ومَعْناها أَيُّ شيءٍ نحوُ قوله تعالى: ما هِيَ(٨)، وقوله تعالى: {ما لَوْنُها}(٩)، وقوله تعالى: {وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ}(١٠). قالَ ابنُ برِّي: ما يُسْأَلُ بها عَمَّا لا يَعْقِل وعن صِفاتِ مَنْ يَعْقِل، تقول: ما عَبْدُ الله؟ فتقولُ: أَحْمَقُ أَو عاقِلٌ. وقال الأزْهرِي: الاسْتِفْهامُ بما، كقولك: ما قوْلُكَ في كذا؟ والاسْتِفْهامُ بما مِن الله لعِبادِه على وَجْهَيْن: هو للمُؤْمنِ تَقْرِيرٌ، وللكافِرِ تَقْريعٌ وتَوْبيخٌ، فالتَّقريرُ كقوله، ø، لموسَى: {وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى قالَ هِيَ عَصايَ}(١١)، قَرَّره الله أَنَّها عصاً كَراهَة أَنْ يَخافَها إذا حوَّلَها حَيَّةً، قال: وتَجِيءُ ما بمعْنَى أَيّ كقولِه، ø: {ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا}(١٢) {ما لَوْنُها}، المَعْنى أَيُّ شيءٍ لَوْنُها، وما في هذا المَوْضِعِ رَفْعٌ لأنَّها ابْتِداءٌ ورَافِعُها قولُه {لَوْنُها}. وقال ابنُ فارِس: الاسْتِفْهامُ عَمَّا يَعْقِل وعَمَّا لا يَعْقِل إذا قالَ القائِلُ: ما عنْدَكَ مُسْتفهماً؟ فجوابُه: الإخبارُ بما شاءَ المُجِيبُ مِن قوْلِه رَجُلٌ أَو فَرَسٌ أَو غَيْر ذلكَ مِن سائِرِ الأنواعِ، فأَما أَنْ يقولَ زَيْدٌ أَو عَمْرٌو فلا يَجوزُ ذلكَ، وناسٌ قد أَوْمَأوا إلى إجازَتِه على نِيَّةِ أن تكونَ ما بمعْنَى مَنْ؛ وسَيَأْتي تَفْصِيلُ ذلكَ آخِرَ التَّرْكيبِ. ويَجبُ حَذْفُ أَلِفِها، أَي إذا كانتْ اسْتِفْهامِيَّةً تأْتي مَحْذوفَةَ الألِفِ، إذا جُرَّتْ، أَي
(١) سورة النحل، الآية ٩٦.
(٢) سورة البقرة، الآية ٢٧١.
(٣) في مغني اللبيب ص ٣٩٢ «حسَّن».
(٤) سورة البقرة، الآية ٢٧١.
(٥) سورة البقرة، الآية ٩٠.
(٦) سورة النساء، الآية ٥٨.
(٧) سورة البقرة، الآية ٢٦.
(٨) سورة البقرة، الآية ٦٨.
(٩) سورة البقرة، الآية ٦٩.
(١٠) سورة طه، الآية ١٧.
(١١) سورة طه، الآية ١٧.
(١٢) سورة البقرة، الآية ٦٩.