تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[وا]

صفحة 421 - الجزء 20

  السَّفِينَةِ⁣(⁣١)، وتَعْطِفُ الشَّيءَ على سابِقِه كقوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ⁣(⁣٢)؛ وعلى لاحِقِه كقوله تعالى: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ⁣(⁣٣).

  والفَرْقُ بَيْنها وبَيْنَ الفاءِ أنَّ الواوَ يُعْطَفُ بها جُمْلَةٌ ولا تدلُّ على التَّرْتيبِ في تَقْدِيمِ المُقَدّم ذِكْره على المُؤَخّرِ ذِكْره، وأَمَّا الفرَّاء فإنَّه يُوصِلُ بها ما بَعْدَها بالذي قَبْلها والمُقدّمُ الأَوَّل، وقال الفرَّاء: إذا قلْت زُرْتُ عَبْدَ الله وزَيْداً فأيّهما شِئْتَ كان هو المُبْتَدَأ بالزِّيارَةِ، وإنْ قلْت زُرْتُ عَبْدَ الله فزَيْداً كانَ الأوَّل هو الأوَّل والآخرُ هو الآخرُ، انتَهَى. وإذا قيلَ: قامَ زَيْدٌ وعَمْرٌو، احْتَمَلَ ثلاثَةَ مَعانٍ: المَعِيّة ومُطْلَق الجَمْع والتَّرْتيب، وكَوْنُها للمَعِيَّةِ راجِحٌ لمَا بَيْنهما مِن المُناسَبَةِ لأنَّ مع للمُصاحَبَةِ، ومنه الحديثُ: «بُعِثْتُ أَنا والساعَةُ كهَاتَيْن»، أَي مع الساعَةِ؛ وللتَّرْتيبِ كَثيرٌ ولعَكْسِه قَليلٌ، ويجوزُ أَنْ يكونَ بَيْنَ مُتَعاطِفَيْها تَقارُبٌ أَو تَراخٍ كقوله تعالى: إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ⁣(⁣٤)، فإنَّ بينَ رَدِّ موسَى إلى أُمِّه وجَعْلهِ رَسُولاً زَمانٌ مُتراخٍ؛ وقد تَخْرُجُ الواوُ عن إفادَةِ مُطْلَقِ الجَمْع وذلكَ على أَوْجُهٍ:

  أَحَدُها: تكونُ بمعْنَى أَوْ وذلكَ على ثلاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُها: أَنْ تكونَ بمعْناها في التَّقْسِيم، نحوُ: الكَلمةُ اسمٌ وفِعْلٌ وحَرْفٌ؛ والثاني: بمعْناها في الإباحَةِ⁣(⁣٥) كقولك: جالِسِ الحَسَنَ وابنَ سِيرِينَ أَي أَحَدَهُما؛ والثالثُ: بمَعْناها في التَّخْيير كقولِ الشَّاعرِ:

  وقالوا نَأَتْ فاخْتَرْ لَها الصَّبْرَ والبُكا⁣(⁣٦)

  والوَجْهُ الثاني: أَنْ تكونَ بمعْنَى باءِ الجَرِّ نحوُ: أَنْتَ أَعْلَمُ ومالَكَ، أَي بمالِكَ، وبِعْتُ الشَّاءَ شاةً ودِرْهَماً، أَي بدِرْهَمٍ.

  الثَّالث: بمعْنَى لامِ التَّعْليل؛ نحوُ قوله تعالى: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ⁣(⁣٧)، أَي لئَلَّا نَكْذِبَ، قالَهُ الخارَزَنْجي مُصنِّفُ تَكْملة العَيْن وقد مَضَتْ تَرْجمتُه عنْدَ ذِكْرِه في حَرْفِ الجِيم.

  الرابع: واو الاسْتِئْنافِ كقولهم: لا تَأْكُلِ السَّمَكَ وتَشْرَبِ اللَّبَنَ فيمَنْ رَفَعَ، وقد ذُكِرَ ذلكَ فِي بَحْثِ لا قَرِيباً.

  الخامس: واوُ المَفْعولِ معه: كسِرْتُ والنِّيلَ.

  السَّادِسُ: واوُ القَسَمِ كقولِهم: والله لقَدْ كانَ كذا، وهو بدلٌ مِن الباءِ وإنَّما أبدلٌ منه لقُرْبِه منه في المَخْرَجِ إذ كانَ مِن حُروفِ الشَّفَةِ ولا تَدْخُلُ إلَّا على مُظْهَرٍ فلا يقالُ وك استغناء بالباء عنها، ولا تَتَعَلَّقُ إلَّا بمَحْذُوفٍ نحوُ قوله تعالى: وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ⁣(⁣٨)، ولا يقالُ أُقْسِمُ والله، إنْ تَلَتْها واوٌ أُخْرَى كقولِهِ تعالى: {وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ}⁣(⁣٩) فالثانِيَةُ للعَطْفِ والأُولى للقَسَمِ وإلَّا لاحْتاجَ كلٌّ إلى جَوابٍ نحوُ قوله تعالى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ {وَطُورِ سِينِينَ}⁣(⁣١٠).

  السَّابعُ: واوُ رُبّ، ولا تَدْخُلُ إلَّا على مُنَكَّرٍ مَوْصوفٍ لأنَّ وَضْعَ رُبَّ لتَقْليلِ نَوْعٍ مِن جِنْسٍ فيذكرُ الجِنْسَ ثم يَخْتَصُّ بصفَةِ تَعْرفةٍ؛ ومنه قولُ الشاعرِ:

  وبَلْدةٍ ليسَ بها أَنِيسُ ... إلَّا اليَعافِيرُ وإلَّا العِيسُ

  أَي ورُبَّ بَلْدةٍ.

  الثَّامن: الَّزائِدَةُ، كقوله تعالى: حَتّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها⁣(⁣١١)، جَوَّزَه الجَوْهرِي؛ وقال غيرُه: هي واوُ الثمانِيَةِ، وفي الصِّحاح: قالَ الأصْمعي: قلْتُ لأبي عَمْرِو بنِ العَلاءِ: وقولُهم رَبّنا ولكَ الحَمْدُ، فقالَ: يقولُ الرَّجُلُ للرَّجُلِ بِعْني هذا الثَّوْبَ، فيقولُ: وهو لَكَ وأَظنُّه أَرادَ هو لك؛ وأَنْشَدَ الأخْفَش:


(١) سورة العنكبوت، الآية ١٥.

(٢) سورة الحديد، الآية ٢٦.

(٣) سورة الشورى، الآية ٣.

(٤) سورة القصص، الآية ٧.

(٥) على هامش القاموس عن نسخة: «نحو».

(٦) البيت لكثير ٢/ ٢٥١ وعجزه:

فقلت: البكا أشفى إذن لغليلي

وصدره من شواهد القاموس.

(٧) سورة الأنعام، الآية ٢٧.

(٨) سورة يس، الآية ٢.

(٩) سورة الطور، الآية الأولى.

(١٠) سورة التين، الآية ٢.

(١١) سورة الزمر، الآية ٧١.