تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[مكت]:

صفحة 136 - الجزء 3

  وليسَ كذلك، فإِنّ الضّمَّ إِنّما هو في الوَاوِيّ كَيقُولُ، من قَالَ قَوْلاً، والكسْرُ إِنّما هو في اليَائِيّ كيَبِيعُ، من بَاعَ، وهي لُغَةٌ مَرْجُوحة، أَنكرها جماعةٌ، والفتح إِنّما هو في المَكْسُورِ الماضِي، كَعَلِم يَعْلَم، ونَظِيره من المُعْتَلّ خَافَ خَوْفاً.

  وزاد ابن القطاع ومغيره: مِتَّ، بالكسرِ في الماضي، تَمُوتُ بالضَّم، من شواذِّ هذا البابِ لِما قَرَّرْناه مَرّات: أَنّ فَعِلَ المَكْسور لا يكون ماضيه⁣(⁣١) إِلّا مَفْتُوحاً كعَلِم يَعْلَمُ، وشذّ من الصّحيح نَعِمَ يَنْعُم، وفَضِلَ يَفْضُل، في أَلفاظٍ أُخَرَ، ومن المُعْتَلّ العين مِتّ - بالكَسْر - تَمُوت، ودِمْتَ تَدُوم.

  وجماعةٌ اقتصروا هنا على هذه اللُّغَةِ، وجَعَلُوها ثالِثَةً، ولم يَتَعَرَّضوا لماتَ كَباعَ، لأَنّه أَقَلُّ من هذا، ومنْهِمُ الشِّهابُ الفَيُّومِيّ في المِصْبَاح فإِنَّه قال: مات الإِنْسَانُ يَمُوتُ مَوْتاً، وماتَ يَماتُ - من باب خاف⁣(⁣٢) ومِتُّ بالكَسْرِ أَمُوت، لُغةٌ ثالثة، وهي من بابِ تَدَاخُلِ اللُّغَتيْنِ، ومثله من المُعْتَلِّ دِمْتَ تَدُومُ، وزاد ابنُ القَطَّاع: كِدْتَ تَكُودُ، وجِدْتَ تَجُودُ، وجاءَ فِيهما تَكَادُ وتَجَاد. انتهى.

  قلت: وهو مأْخُوذٌ من كلامِ ابنِ سِيدَه، وقال كُراع: مَاتَ يَمُوتُ، والأَصْلُ فيه مَوِتَ بالكَسْرِ يَمُوت، ونظيرُه دِمْت تَدُوم، إِنما هو دَوِمَ.

  فهو مَيْتٌ، بالتَّخْفِيفِ، ومَيِّتٌ، بالتشديد، هكذا في نسختنا، والذي في الصّحاح تَقْدِيمُ المُشَدَّد على المُخَفَّفِ بضَبْطِ القَلَم.

  وماتَ ضِدُّ حَيِىَ⁣(⁣٣)، قال الأَزْهَريّ عن اللَّيْث: المَوْتُ خَلْقٌ من خَلْقِ اللهِ تَعالَى. وقال غيرُه: المَوْتُ والمَوَتَانُ ضِدّ الحياة.

  ومن المَجاز: المَوْتُ: السُّكُون، يقالُ: مات: سَكَنَ، وكل ما سَكَنَ فقد مَاتَ، وهو على المَثَل، ومن ذلك قولُهم: ماتَت الرِّيحُ، إِذا رَكَدتْ وسَكَنَتْ، قال:

  إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَمُوتَ الرِّيحُ ... فأَسْكُنُ اليَوْم وأَسْتَريحُ

  ومن ذلك قولُهم، ماتَت الخَمْرَة: سَكَن غَلَيَانُها، عن أَبي حنيفةَ.

  ومن المَجاز أَيضاً: مات الرَّجُلُ، وهَمَدَ، وهَوَّمَ إِذا نَام، قاله أَبو عَمْرو. ومن المجاز أَيضاً: ماتَت النّارُ مَوْتاً: بَرَدَ رَمادُها، فَلَمْ يَبْقَ من الجَمْر شَيْءٌ.

  وماتَ الحَرُّ والبرْدُ: بَاخَ.

  وماتَ الماءُ بهذَا المَكَان، إِذا نَشَّفَتْهُ الأَرْضُ.

  وماتَ الثَّوْبُ: بَلِيَ، وكلُّ ذلكَ على المَثَل.

  وعبارَةُ الأَساس: ومات الثَّوْبُ: أَخْلَقَ، وماتَ الطَّريقُ: انْقَطَع سُلوكُه، وبلدٌ يَمُوت⁣(⁣٤) فيه الرِّيحُ، كَما يُقَالُ: تَهْلِكُ فيه أَشْواطُ الرِّياح. ومات فَوْقَ الرَّحْل: اسْتَثْقَلَ في نَوْمِه، كلُّ ذلك على المَثَل.

  وفي اللّسان - في دعاءِ الانْتباه -: «الحَمْدُ للهِ الّذِي أَحيانا بعدَ ما أَماتَنا وإِلَيْه النُّشُورُ» سَمَّى النَّومَ موْتاً، لأَنّه يزولُ معه العَقْلُ والحَركةُ، تمثيلاً وتَشْبيهاً، لا تحْقيقاً.

  وقيل: المَوْتُ في كلام العَرَب يُطْلَقُ على السُّكُون.

  وقالَ الأَزْهريّ - ومِثلُه في المُفْردات لأَبي القَاسم الرَّاغب - ما نَصُّه⁣(⁣٥): الموتُ يَقَعُ على أَنْواعٍ بحَسَبِ أَنواعِ الحَياة، فمنها ما هو بإِزاءِ القُوَّةِ النّامِيَةِ الموْجُودَةِ في⁣(⁣٦) الحَيَوان والنّباتِ، كقولِه تَعالى: {يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها}⁣(⁣٧) ومنها: زَوالُ القُوَّةِ الحِسِّيَّةِ⁣(⁣٨) كقوله تعالى: {يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا}⁣(⁣٩).

  ومنها: زَوالُ القُوَّةِ العَاقِلَة، وهي الجَهَالَةُ، كقوله تعالى: {أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ}⁣(⁣١٠) {فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى}⁣(⁣١١).


(١) كذا، وهو خطأ والصواب مضارعه.

(٢) في المصباح: من باب خاف لغة.

(٣) في القاموس: ضد حيّ.

(٤) الأساس: تموت.

(٥) الأصل واللسان والمفردات، ولم يرد في التهذيب.

(٦) اللسان، وفي المفردات: في الإنسان والحيوانات والنبات.

(٧) سورة العنكبوت الآية ٥٠.

(٨) اللسان، وفي المفردات: القوة الحاسّة.

(٩) سورة مريم الآية: ٢٣.

(١٠) سورة الأنعام الآية ١٢٢.

(١١) سورة الروم الآية ٥٢.