تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[وثث]:

صفحة 276 - الجزء 3

  في مضارعها يَوْحَرُ وَيَوْهَنُ ويَوْصَبُ، ومِثالُ الحذْف مِثل: وَزَعَ يَزَعُ.

  وربما جاءَ الفَتْحُ والكسر في ماضِي بعض أَفعالِ هذا الباب تقول: وَلَعَ ووَلِعَ، وَوَبَقَ ووَبِقَ، ووَصَبَ ووَصِبَ.

  وإِنما حُذِف الواوُ من يَسَعُ ويَضَعُ، مع أَنها وقعتْ بين ياءٍ وفتحة لا كسرة؛ لأَن الأَصل فيهن الكسر، فحُذِفت لذلك، ثم فُتِح الماضي والمُضَارِع لوجُود حَرفِ الحَلْق، وحُذِفت من يَذَرُ لأَنه مَبنيّ على يَدَعُ: لشبهها به في إِماتَةِ ماضِيهما. انتهى.

  وقد استطردنا هذا الكلامَ في كتابِنَا «التّعْرِيف بضَرُورِيّ قواعِد التَّصْرِيف»، فمن أَراد الإِحاطةَ بهذا الفنّ فعلَيْهِ به.

  وِرْثاً، ووِرَاثَةً، وإِرْثاً، الأَلف منقلبة من الواو، ورِثَةً، الهاءُ عوضٌ عن الواو، وهو قياسيٌّ، بكسرِ الكُلِّ.

  ويُقَال: وَرِثْتُ فُلاناً مالاً، أَرِثُه وِرْثاً ووَرْثاً، إِذا ماتَ مُوَرِّثُكَ فصار مِيراثُه لك.

  ووَرِثَهُ مالَه ومَجْدَه، ووَرِثَه عنه وِرْثاً ورِثَةً ووِرَاثَةً وإِرَاثَةً.

  وأَوْرَثَه أَبُوهُ إيراثا حَسَناً.

  وأَوْرَثَهُ الشيءَ أَبُوهُ، وهم وَرَثَهُ فلانٍ.

  ووَرَّثَه تَورِيثاً، أَي أَدخَلَه في مالِه على وَرَثَتِه، أَو جَعَلَه من وَرَثَتِه.

  ويقال: وَرَّثَ في مالِه: أَدخَلَ فيه مَنْ ليس مِنْ أَهلِ الوِرَاثَة.

  وفي التهذيب: وَرَّثَ [الرجلُ]⁣(⁣١) بني فلانٍ مالَه تَوْرِيثاً، وذلك إِذا أَدخلَ على وُلْدِه ووَرَثَتهِ في مالِه من⁣(⁣٢) ليس منهم، فجعل⁣(⁣٣) له نَصِيباً.

  وأَوْرَثَ وَلَدَه: لم يُدْخِلْ أَحداً معه في مِيراثِه، هذه عن أَبِي زيد.

  ويقال: وَرَّثْتُ فلاناً من فُلانٍ، أَي جَعلتُ مِيرَاثَه له.

  وأَوْرَثَ المَيِّتُ وَارِثَه مالَه: تَرَكَهُ له.

  قال شيخنا: إِذا قِيلَ: وَرِثَ زيدٌ أَباهُ مالاً، فالمالُ مفعولٌ ثانٍ إِن عُدِّيَ إِلى مفعولينِ، أَو بَدَلُ اشتِمَالٍ، كسَلَبتُ زَيداً ثَوْبَه، واقتصر الزَّمَخْشَرِيّ في قوله تعالى: {وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ}⁣(⁣٤) على تعْدِيَته إِلى مفعولين، وأَقَرَّه بعضُ أَربابِ الحَوَاشِي.

  والوارِثُ صفةٌ من صِفات اللهِ تعالَى، وهو البَاقِي الدَّائِمُ بعدَ فَنَاءِ الخَلْقِ وهو وهَوَ {خَيْرُ الْوارِثِينَ} - أَي يَبقَى بعد فناءِ الكُلِّ، ويَفنَى مَن سِوَاه فيَرجعُ ما كان مِلْكَ العِبَادِ إِليه وَحدَه لا شريكَ له.

  وفي التنزيل العزيز {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}⁣(⁣٥) أَي يَبْقَى بعدِي، فيصيرُ له مِيراثي، وقرئَ «أُوَيْرِثٌ» بالتّصْغِير.

  وفي الدعاءِ النبويّ، وهو في جَامِعِ التِّرْمِذِيّ وغيره: اللهُمّ أَمْتِعْنِي - هكذا في سائر الرِّواياتِ، وفي أُخرى: مَتِّعْنِي⁣(⁣٦) - بسَمْعِي وبَصَرِي، واجْعَلْهُ - كذا بإِفرادِ الضّمير، أَي الإِمتاعَ المفهومَ مِن أَمتع، ورُوِيَ: واجْعَلْهُما⁣(⁣٧) - الوَارِثَ مِنّي، فعلى رواية الإِفراد أَي أَبْقِهِ مَعي حَتّى أَمُوتَ، وعلى رواية التّثنية، أَي أَبْقِهِما⁣(⁣٨) معي صَحِيحَيْنِ سالِمَيْن حتى أَمُوتَ.

  وقيل: أَرادَ بقاءَهُما وقُوَّتَهما عند الكِبَرِ وانْحِلالِ القُوَى النّفسانيّة، فيكونُ السمعُ والبصرُ وارِثَيْ سائرِ القُوَى، والباقِيَيْن بعدَهَا، قاله ابنُ شُمَيْل.

  وقال غيره: أَرادَ بالسَّمْع: وَعْيَ ما يَسْمَعُ والعَمَلَ به، وبالبَصَرِ: الاعتبارَ بما يَرَى ونُورَ القَلْبِ الذي يَخْرُج بهِ من الحَيْرَةِ والظُّلْمَة إِلى الهُدَى.


(١) زيادة عن التهذيب.

(٢) التهذيب: ومَنْ.

(٣) التهذيب: يجعل.

(٤) سورة مريم الآية ٨٠.

(٥) سورة مريم الآية ٦ وبهامش المطبوعة المصرية: «قال ابن سيده: إنما أراد {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} النبوة ولا يجوز أن يكون خاف أن يرثه أقرباؤه المال، لقول النبي : إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا فهو صدقة اه من اللسان».

(٦) هذه رواية ابن الأثير.

(٧) هذه رواية التهذيب واللسان.

(٨) هذا قول ابن شميل كما في التهذيب والهروي واللسان.