(فصل الخاء) المعجمة مع الجيم
  البَيْهَقِيُّ عنه أَنه عَرَضَه على شَيْخِه الإِمام أَبي عبدِ الله البُخَارِيّ فكأَنّه أَعجَبَهَ، وحَقَّقَ الصَّدْرُ المَنَاوِيُّ تَبَعاً للدَّارَقُطْنِيّ وغيرِه أَنّ طَرِيقَهُ التي أَخْرجَه منها التِّرمِذِيُّ جَيّدة، وأَنّها غيرُ الطَّرِيقِ التي قال البُخَارِيّ في حديثها إِنه مُنْكَرٌ، وتلك قِصَّةٌ مُطَوَّلَةَ، وهذا حديثٌ مُخْتَصرٌ، وخَرَّجَه الإِمامُ أَحمد في المُسْنَد، والحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ، وغيرُ واحدٍ عن عائشةَ، ^، وقال الجَلالُ في التَّخريج: هذا الحَديثُ صَحَّحَه التِّرمذيّ، وابنُ حِبَّانَ، وابنُ القَطَّانِ، والمُنْذِرِيُّ، والذَّهَبِيُّ، وضعَّفَه البُخَاريّ، وأَبو حاتمٍ وابنُ حَزْمٍ، وجَزَم في مَوْضع آخَرَ بصِحَّتِه، وقال: هو حديثٌ صَحِيحٌ أَخرجَه الشَّافعيُّ وأَحمدُ وأَبو دَاوُودَ والتِّرمِذِيّ والنَّسَائِيّ وابنُ مَاجَهْ وابنُ حِبَّانَ، من حَديثِ عائشةَ، ^، قال شيخُنا: وهو من كلام النُّبُوَّة الجامعُ، واتَّخَذه الأَئمّةُ المُجْتَهِدُون والفقهاءُ الأَثْباتُ المُقَلِّدُونَ قاعدةً من قواعِدِ الشَّرْعِ، وأَصْلاً من أُصول الفِقْه، بَنَوْا عليه فُرُوعاً واسِعَةً مبسوطةً، وأَورَدُوهَا في الأَشباه والنظائر، وجَعلوها كقاعدةِ: الغُرْمُ بِالغَنْمِ، وكِلاهُما مِن أَصولِه المُحرَّرةِ، وقد اخْتلفَتْ أَنظارُ الفُقَهَاءِ في ذلك، والأَكثرُ على ما قالَه المُصَنِّف، وقد أَخذَه هو من دَواوِينِ الغَريبِ. قال أَبو عُبَيْدُ(١) وغيرُه من أَهل العلم: معنَى الخَرَاج بالضَّمان أَي غَلَّةُ العَبْدِ لِلْمُشْتَرِي بِسَبَبِ أَنَّه فِي ضَمَانِهِ وذلِك بأَنْ يَشْتَرِيَ عَبْداً ويَسْتَغِلَّه زَمَاناً، ثم يَعْثُرَ منه أَي يَطّلعَ، عَلَى عَيْب دَلَّسَهُ البائعُ ولمْ يَطَّلِعْ(٢) عليه، فَلَه رَدُّهُ أَي العَبْدِ على البائعِ والرُّجوعُ عليه بالثَّمَنِ جَمِيعِه، وأَمَّا الغَلَّةُ التي اسْتَغَلَّهَا المُشْتَرِي مِن العَبْدِ فَهِي لهُ طَيِّبَةٌ لأَنّه كانَ في ضَمانِه، ولوْ هلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِه.
  وفسَّره ابنُ الأَثير فقال: يُرِيد بالخَرَاجِ ما يَحْصُلُ من غَلَّة العَيْنِ المُبْتَاعَةِ، عبْداً كانَ أَو أَمَةً أَوْ مِلْكاً، وذلك أَن يَشْتَرِيَه فيَستغِلَّه زَمَاناً، ثم يَعْثُرَ مِنه على عَيْبٍ قدِيمٍ لم يُطْلِعْه البائعُ عليه أَو لم يَعْرِفه فله رَدُّ العَيْنِ المَبيعةِ وأَخْذُ الثَّمنِ، ويكون للمُشْتَرِي ما استَغَلَّه، لأَنّ المَبيعَ لو كان تَلِفَ في يَدِه لكانَ(٣) من ضَمانه ولم يكن له على البائعِ شيءٌ. والباءُ في قوله «بالضّمان» متعلّقة بمحذوفٍ تقديرُه: الخَراجُ مُسْتَحِقٌّ بالضَّمانِ أَي بِسَبَبِه، وهذا مَعْنَى قَوْلِ شُرَيْحٍ لرجُلَيْنِ احْتكَما إِليه في مِثْلِ هذا، فقال للمشتريْ: رُدَّ(٤) الدَّاءَ بِدَائِه ولك الغَلَّةُ بالضَّمانِ، معناهُ: رُدَّ ذَا العَيْبِ بعَيْبهِ وما حَصَلَ في يَدِك من غَلَّته فهو لَكَ.
  ونقلَ شيخُنَا عن بعض شُرَّاحِ المَصابِيح: أَي الغَلَّةُ بِإِزاءِ الضَّمانِ، أَي مُسْتَحَقَّةٌ بسببِه، فمن كانَ ضَمانُ المَبِيع عليه كان خَرَاجُه له، وكما أَنْ المَبِيع لو تَلِفَ أَو نَقَصَ في يَدِ المُشْتَرِي فهو في عُهدَتِه وقد تَلِفَ ما تَلِفَ في مِلْكِه ليس على بائِعه شَيْءٌ، فكذا لو زادَ وحَصَل منه غَلَّةُ، فهو له لا للبائع إِذا فُسِخَ البَيْعُ بنحْوِ عَيْبٍ، فالغُنْمُ لمَن عليه الغُرْمُ.
  ولا فَرْقَ عند الشافِعِيَّة بين الزَّوائد مِنْ نَفْسِ المَبِيع، كالنَّتاجِ، والثَّمَرِ، وغيرِها، كالغَلَّةِ.
  وقال الحَنَفِيَّةُ: إِنْ حَدثَت الزَّوائدُ قبلَ القَبْضِ تَبِعَت الأَصْلَ، وإِلَّا فإِنْ كانتْ من عَيْنِ المَبيعِ، كوَلَدِ وثَمَرٍ مَنَعَتِ الرَّدَّ، وإِلَّا سُلِّمَتْ للمُشْتَرِي.
  وقال مالِكٌ: يُرَدُّ الأَوْلادُ دُونَ الغَلّةِ مُطلقاً.
  وفيه تَفاصيلُ أُخرى في مُصَنَّفَات الفُرُوعِ مِن المَذَاهِبِ الأَربعةِ.
  وقال جماعةٌ: الباءُ للمُقَابَلَةِ، والمُضَافُ مَحْذُوفٌ، والتقديرُ: بَقَاءُ الخَرَاجِ في مُقَابَلَةِ الضَّمانِ، أَي مَنَافِعُ المَبِيعِ بَعْدَ القَبْضِ تَبْقَى للمُشْتَري في مُقَابَلَةِ الضَّمانِ اللَّازِم عليه بتلَفِ المَبِيعِ، وهو المُرَاد بقولهم: الغُنْمُ بِالْغُرْمِ. ولذلك قالوا: إِنه مِن قَبِيلهِ.
  وقال العَلَّامَة الزَّرْكَشِيُّ في قواعده: هو حَدِيثٌ صَحِيحٌ، ومعناه: ما خَرَجَ مِن الشَّيْءِ مِن عَيْنٍ أَو مَنفعةٍ أَو غَلَّةٍ فهو للمشترِي عِوَضَ ما كانَ عَلَيْهِ مِنْ ضَمانِ المِلْكِ، فإِنه لو تَلِفَ المَبِيعُ كان في ضَمَانِه، فالغَلَّةُ له لِيَكُونَ الغُنْمُ في مُقَابَلةِ الغُرْمِ.
  وخَرْجَانُ بالفتح ويُضَمُّ؛ مَحَلَّةٌ بِأَصْفَهَانَ(٥) بينها وبين
(١) عن التهذيب واللسان، وبالأصل «أبو عبيدة».
(٢) التهذيب واللسان: ولم يطلعه عليه.
(٣) عن النهاية، وبالأصل «في».
(٤) في التهذيب: «رد دا الداء».
(٥) وفي معجم البلدان عن أبي القاسم اسماعيل بن محمد بن الفضل من قرى أصبهان. وفي اللباب: وأهل أصبهان يقولون: خورجان.