فصل الميم مع الحاء المهملة
  العليّة(١)، وليس بمَشارِقِ القاضي عياضٍ، كما تَوهَّمَه بعضٌ. وسبق للمَصنّف كلامٌ مثل هذا في ساح، وذَكرَ هناك أَنَّه أَوردَهَا في شرْحه لصحيح البخاريّ، فلعلَّه المراد من قوله وغَيْرِهِ كما لا يَخفَى.
  قلت: وقد أَوصلَه المصنّف في بصائر ذوي التمييز في لطائف كتاب الله العزيز، مجلدان، إِلى ستّة وخمسين قولاً، منها ما هو مذكور هنا في أثناءِ المادّة، وقد أشرْنا إِليه، ومنها ما لم يَذكره. وتأْليف هذا الكِتاب بعد تأْليف القاموس، لأَني رأَيتُه قد أَحالَ في بعض مواضِعه عليه. قال وكَلمته عيسَى، وفي صِفةِ عدوّ الله الدّجّال أَخزاه الله، على أَقْوالٍ كثيرة تنِيف على خمسين قولاً. وقَال ابن دِحْيَةَ الحافظُ في كتابه مَجمع البَحْرَيْن في فوائد المَشرقَيْنِ والمَغرِبَين: فيها ثلاثَةٌ وعشرون قَولاً، ولم أَرَ مَنْ جَمعها قَبْلي مَّمن رَحَلَ وجالَ، ولقِيَ الرِّجَال. انتهى نص ابن دِحيَةَ.
  قال: الفَيْروز آباذى: فأَضَفْت إِلى ما ذكَره الحافظ من الوجوه الحَسَنة والأَقوالِ البديعة، فتمّتْ بها خمسون وَجْهاً.
  وبيانه أَنَّ العلماءَ اختلفوا في اللفظة، هل هي عربيّة أَم لا، فقال بعضهم: سريانيّة، وأَصلُهَا مَشيحاً، بالشين المعجمة، فعرّبتها العرب، وكذا ينطِق بها اليهود، قاله أَبو عُبيد، وهذا القول الأَوّل. والذين قالوا إِنّها عربيّة اختلفوا في مادّتها، فقيل: من س ى ح، وقيل: من م س ح، ثم اختلفوا، فقال الأَوّلون مَفْعِل، من ساح يسيح، لأَنّه يَسِيح في بُلدَانِ الدُّنْيا وأَقْطَارِهَا جميعِها، أَصُلها مَسْيِح فأُسْكِنَت الياءُ ونُقِلتْ حَركَتها إِلى السين، لاستثقالهم الكسرةَ على الياءِ وهذا القولُ الثاني، وقال الآخرون: مَسيحٌ مُشتقٌّ من مَسَحَ، إِذا سارَ في الأَرض وقَطَعها، فَعيل بمعنَى فاعِل. والفريق بين هذا وما قبله أَنَّ هذا يَختصّ بقَطْع الأَرضِ وذاك بقَطْع جميع البلادِ، وهذا الثالث، ثم سَردَ الأَقوالَ كلَّهَا، ونحن قد أَشرْنا إِليها هنا على طريق الاستيفاءِ ممزوجَةً مع قول المصنّف في الشّرْح، وما لم نَجِدْ لها مناسَبَة ذكرناهَا في المستدركات لأَجل تَتميم المقصود وتَعميم الفائدة.
  والمَسِيح: الدَّجَّالُ لشُؤْمِهِ، ولا يجوز إِطلاقُه عليه إِلّا مقيَّداً فيقال المَسيحُ الدَّجّال، وعند الإِطلاق إِنما ينصرف لعيَسى #، كما حَقَّقه بعضُ العلماءِ. أَو هُوَ، أَي الدّجّال، مِسِّيحٌ كَسكِّين، رواه بعض المحَدِّثين. قال ابن الأَثير: قال أَبو الهَيثم: إِنّه الذي مُسِحَ خَلْقُه، أَي شُوِّهَ. قال: وليس بشيْءٍ.
  والمَسِيح والمَسِيحة: القِطْعَةُ من الفِضَّةِ، عن الأَصمعيّ، قيل: وبهُ سُمِّيَ عيسَى # لحُسْنِ وَجْهه. ذكرَه ابن السِّيد في الفرق. وقال سَلَمة بن الخُرشُب(٢) يصف فرساً:
  تَعَادَى من قَوائمها ثَلاثٌ
  بتَحْجِيلٍ وَوَاحدةٌ بَهيمُ
  كأَنّ مَسِيحَتي وَرِقٍ عليها
  نَمَتْ قُرْطَيهما أُذُنٌ خدِيمُ(٣)
  قال ابن السِّكّيت: يقول كأَنَّمَا أُلبِسَتْ صفيحَةَ فِضَّةٍ من حُسْن لوْنِهَا وبَرِيقها، وقوله نَمَتْ قُرْطَيهما، أَي نَمَتِ القُرطَين اللَّذَيْنِ من المَسِيحتَين، أَي رَفَعَتْهما، وأَراد أَنَّ الفِضَّة مما تُتَّخذ للحَلْيِ، وذلك أَصفَى لها.
  والمَسيح: العَرَقُ: قال لبيد:
  فَرَاشُ المَسِيحِ كالجُمَانِ المُثقَّبِ
  وقال الأَزهريّ: سُمِّيَ العَرقُ مَسِيحاً لأَنّه يُمْسَح إِذا صُبَّ. قال الرّاجز:
  يا رِيَّهَا وقد بَدَا مَسِيحي
  وابتَلَّ ثَوْبَايَ من النَّضِيحِ
  وخَصَّه المصنّف في البصائر بعَرقِ الخَيْل، وأَنشد:
  وذا الجِيَادُ فِضْنَ بالمَسيحِ(٤)
  قال: وبه سُمِّيَ المسيحُ.
  والمَسِيح: الصِّدّيقُ بالعبرانيّة، وبه سُمِّيَ عيسَى عليه
(١) ولكنه لم يكمل، وكذا شرحه على البخاري لم يكمل أيضاً أفاده بهامش القاموس.
(٢) بالأصل «الحرث» وبهامش المطبوعة المصرية: «قوله الحرث الذي في اللسان «الخرشب».
(٣) في التهذيب: خذيم بالذال. وأذن خذيم أَي مثقوبة.
(٤) ديوانه وصدره فيه:
علا المسكَ والديباجَ فوق نحورهم