تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[ملح]:

صفحة 213 - الجزء 4

  قال: وقد يقال إِنّهما مُتَغَايرانِ، والصواب ما ذَكرْناه. وأَملَح البعيرُ، إِذَا حَمَلَ الشَّحْمَ، ومُلِحَ فهو مملوح، إِذا سَمِنَ.

  ويقال: كان رَبيعُنا مَملوحاً. وكذلك إِذا أَلْبَنَ القَومُ وأَسْمَنُوا، كالتَّمَلُّحِ والتَّمْلِيحِ وقد مَلَّحَتِ النّاقَةُ: سَمِنَتْ قليلاً، عن الأُمويّ ومنه قَول عُرْوةَ بن الوَرْد:

  أَقَمْنَا بها حِيناً وأَكثرُ زَادِنا

  بَقِيّةُ لَحْمٍ مِن جَزورٍ مُمَلِّحِ

  والذي في البصائر:

  عَشيَّةَ رُحْنا سائرين وزادُنا⁣(⁣١)

  إِلخ، وجَزور مُملِّح فيها بَقيّة من سِمَنٍ، وأَنشد ابنُ الأَعرابيّ:

  ورَدَّ جازِرُهمْ حَرفاً مصهَّرةً⁣(⁣٢)

  في الرأْسِ منها وفي الرِّجْلَينِ تَمْليحُ

  أَي سِمَنٌ: يقول: لا شَحْمَ لها إِلَّا في عَيْنِها وسُلامَاهَا.

  قال: أَوّل ما يَبدأُ السِّمَنُ في اللِّسَان والكَرِش، وآخِرُ ما يَبقَى في السُّلَامَى والعَيْن. وتَملَّحتِ الإِبلُ كمَلَّحَت، وقيل: هو مَقلوبٌ عن تَحلَّمَت أَي سَمِنَت، وهو قَول ابنِ الأَعرابيّ. قال ابن سيده: ولا أَرى للقَلْب هنا وَجْهاً.

  وأَرى مَلَحَت النَّاقةُ بالتخفيف لغة في مَلَّحَت. وتَملَّحَت الضِّبابُ كتَحَلَّمَت، أَي سَمِنَت، وهو مَجاز.

  والمِلْح: الحُرْمَة والذِّمامُ، كالْمِلْحَةِ، بالكسر، وأَنشد أَبو سعيدٍ قَولَ أَبي الطَّمَحان المتقدّم، وفَسَّره بالحُرْمة والذِّمام. ويقال: بين فُلانٍ وفُلانٍ مِلْحٌ ومِلْحةٌ، إِذا كان بينهما حُرْمَةٌ، كما سيأْتي. فقال⁣(⁣٣) أَرجُو أَن يَأْخُذَكم الله بحُرْمَةِ صاحِبها وغَدْرِكُم بها. قال أَبو العَباس: العرب تُعظّم أَمْرَ المِلْحِ والنَّارِ والرَّمَادِ.

  والمِلْحُ: ضِدُّ العَذْبِ مِنَ الماءِ كالمَلِيحِ، هذا وَصْفٌ وما ذُكِر قبلَه كلّها أَسماءٌ. يقال ماءٌ مِلْحٌ. ولا يقال: مالِحٌ إِلّا في لغة رَديئة، عن ابن الأَعرابيّ، فإِن كان الماءُ عَذْباً ثم مَلُحَ يقال: أَمْلَح. وبَقْلَةٌ مالحَةٌ. وحكَى ابنُ الأَعرابيّ: ماءٌ مالِحٌ كمِلْح. وإِذا وَصفتَ الشيْءَ بما فيه من المُلُوحَة قلت: سَمَكٌ مالِحٌ، وبَقْلَةٌ مالِحةٌ.

  قال ابن سِيده: وفي حديث عُثمان ¥: «وأَنا أَشْرَبُ ماءَ المِلْح»، أَي الشَّدِيد المُلُوحَةِ. قال الأَزهَرِيّ عن أَبي العباس: إِنّه سمع ابنَ الأَعرابيّ قال: ماءٌ أُجَاجٌ، وقُعَاعٌ، وزُعَاقٌ، وحُرَاقٌ وماءٌ⁣(⁣٤) يَفْقَأُ عينَ الطّائر، وهو الماءُ المالِحُ. قال وأَنشدنا:

  بَحْرُك عَذْبُ الماءِ ما أَعَقَّهُ

  رَبُّكَ والمحرُومُ مَن لمْ يُسْقَهُ⁣(⁣٥)

  أَرادَ ما أَقَعَّه. من القُعَاع، وهو الماءُ المِلْح فَقَلَبَ.

  قال ابن شُميل: قال يونس: لم أَسمع أَحداً من العرب يقول: ماءٌ مالحٌ. ويقال: سَمكٌ مالحٌ، وأَحسنُ منهما⁣(⁣٦) سَمَكُ مَليحٌ ومَملوحٌ. قال الجوهَرِيّ: ولا يقال مالِحٌ. قال: وقال أَبو الدُّقَيْش: يقال ماءٌ مالحٌ ومِلْح. قال أَبو منصور: هذا وإِنْ وُجِدَ في كلام العرب قليلاً - لُغَةٌ لا تُنْكر. قال ابن بَرّيّ: قد جاءَ المالِح في أَشعارِ الفُصحاءِ، كقول الأَغلب العِجْليّ يَصف أُتُناً وحِماراً:

  تَخالُه من كَرْبهِنَّ كالحَا

  وافْتَرَّ صاباً ونَشُوقاً مالِحَا

  وقال غَسّانُ السَّلِيطيّ:

  وبِيضٍ غِذَاهنَّ الحَليبُ ولم يَكنْ

  غِذَاهُنّ نِينَانٌ من البحرِ مالِحُ

  أَحَبُّ إِلينا مِنْ أُناسٍ بِقَرْيَةٍ

  يَمُوجُون مَوْجَ البَحْرِ والبَحْرُ جَامِحُ

  وقال عُمر بن أَبي رَبيعَةَ:

  ولو تفَلَتْ في البَحْر والبَحرُ مالحٌ

  لأَصبَحَ ماءُ البَحْرِ من ريقِهَا عَذْبَا⁣(⁣٧)


(١) وهي رواية الأساس للصدر أيضاً.

(٢) في التهذيب «مصرمة» والبيت لرجل من نبيت، انظر الشعر والشعراء لابن قتيبة ص ١٩٨.

(٣) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: فقال. أي أبو الطمحان ...»

(٤) عن اللسان، وبالأصل: «وما».

(٥) البيت في التهذيب ١/ ٥٧ ونسبه للجعدي وفيه «سيبك» بدل «ربك».

قال الثمالي: أراد ما أقعه. يقال ماء قعاع وعقاق إِذا كان مرّاً غليظاً. وقد أقعّه الله وأعقّه.

(٦) الأصل واللسان، وفي التهذيب: منها.

(٧) زيد في اللسان أيضاً: وقال أبو زياد الكلابي:

صبحن قوّاً والحمام واقع

وماء قوٍّ مالح وناقع