تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل السين مع الدال المهملتين

صفحة 29 - الجزء 5

  قال شيخُنا: وهذا نَقَله في «الكافي» عن قُدَامَةَ، وقال: هو صادقٌ في جَميع وُجُوهِ السِّنَادِ، ثم إِن السِّنَادَ كونُه اختلافَ الأَردافِ فقط هو قولُ أَبي عُبيدَةَ، وقيل: هو كلُّ عَيْبٍ قَبْلَ الرَّوِيّ، وهذا قول الأَكثر.

  وفي شرح «الحاجبية»: السِّنادُ أَحَدُ عُيوبِ القَوافِي.

  وفي شرح الدّمَامينيّ علي «الخَزرَجِيّة» قيل: «السِّنَاد: كُلُّ عَيْبٍ يَلحَق القافِيَةَ، أَيّ عيبٍ كان. وقيل: هو كلُّ عَيْبٍ سِوَى الإِقواءِ، والإِكفاءِ، والإِيطاءِ، وبه قال الزَّجَّاحُ. وقيل: هو اختلافُ ما قَبْلَ الرَّوِيِّ وما بَعْدَه، من حَرَكَةٍ أَو حرْفٍ، وبه قال الرُّمَّانِيُّ، وغَلِطَ الجَوْهَرِيُّ في المِثَالِ والرِّوايةِ الصحيحةِ، في قول عَبِيدِ بن الأَبرص:

  فقد أَلجُ الخُدُورَ على العَذَارَى ... كَأَنَّ عُيُونَهُنَّ عُيونُ عِينِ

  ثم قال:

  فإِن يَكُ فاتَنِي أَسَفاً شَبَابِي ... وأَصْبَحَ رَأْسُهُ مِثلَ اللَّجِينِ

  اللَّجِينُ، بِفتح اللام، لا بِضَمهّ، كما ضَبَطَه الجَوهَريُّ فلا سِنادَ حينئذٍ واللَّجِين هو: الخِطمِيُّ المُوخَفُ وهو يُرْغِي وَيشهَابُّ عِندَ الوَخْفُ. وسيأْتِي الوَخْفُ. والذي ذكَرَه المُصنِّف من التصويب، للخُرُوجِ من السِّنَادِ هو زَعمُ جماعة. والعرب لا تَتحاشَى عن مِثله فلا يكون غلطاً منه، والرِّواية لا تُعَارَضُ بالرواية.

  وفي اللسان، بعدَ ذِكْرِ البيتين: وهذا العَجُز الأَخير غَيَّره الجوهريُّ فقال:

  وأَصبَحَ رأْسُهُ اللُّجَيْنِ

  والصحيح الثابت:

  وأَضْحَى الرَّأْسُ مِنّي كاللَّجِينِ⁣(⁣١)

  والصواب في إِنشادِهما تَقْدِيمُ البيت الثاني علي الأَوّل.

  وقد أَغفلَ ذلك المصنِّفُ. ورُويَ عن ابن سَلَّامٍ أَنه قال: السِّنَاد في القوافي مثل: شَيْبٍ وشِيبٍ، وسانَدَ فلانٌ في شِعْرِه. ومن هذا يقال: خَرَجَ القَوْمُ مُتَسَانِدِينَ. وقال ابن بُزُرْج: أَسْنَدَ في الشِّعْر إِسناداً بمعنى سَانَد، مثل إِسْنادِ الخَبَرِ، ويقال سانَدَ الشاعِرُ، إِذا نَظَم كذلكَ وعن ابن سيده: سانَدَ شِعْرَه سِنَاداً، وسانَدَ فيه، كلاهما خَالَفَ بين الحَرَكَاتِ الّتي تَلِي الأَرْدافَ⁣(⁣٢).

  قال شيخُنَا: وقد اتَّفَقُوا على أَنَّ أَنواعَ السِّنَادِ خمسةٌ: أَحدُها: سِنَادُ الإِشباعِ، وهو اختلافُ حرَكِة الدَّخِيل، كقول أَبي فِراسٍ:

  لَعَلَّ خَيالَ العامِرِيَّةِ زائِرُ ... فَيُسْعَدَ مَهْجُورٌ ويُسْعَدَ هاجِرُ

  ثم قال:

  إِذا سَلَّ سَيْفُ الدَّوْلةِ السَّيْفَ مُصْلَتاً ... تَحَكَّمَ في الآجالِ يَنْهَي ويامُرُ

  فحركة الدَّخِيل في هاجِر: كسرة. وفي يامُرُ: ضَمّة.

  وهذا مَنعَه الأَخفَشُ، وأَجازه الخليلُ، واختاره ابنُ القَطَّاع.

  وثانيها: سِنَادُ التَّأْسيس، وهو تَرْكُه في بيتٍ دونَ آخرَ، كقول الشاعِرِ الحَمَاسِيّ:

  لوَ أَنَّ صُدُورَ الأَمْر يَبْدُونَ للفَتَى ... كأَعْقَابِهِ لم تُلْفِهِ يَتَنَدَّمُ

  إِذا الأَرْضُ لم تَجْهَل عليَّ فُرُوجُها ... وإِذْ لِيَ عن دَارِ الهَوَان مُرَاغَمُ

  وثالثها: سِنَاد الحَذْوِ، وهو اختلافُ حَرَكةِ ما قبلَ الرِّدْف، كقوله:

  كأَنَّ سُيوفَنا مِنَّا ومِنْهُمْ ... مَخَارِيقٌ بأَيْدِي اللَّاعِبِينا

  مع قوله:

  كأَنَّ مُتُونَهُنَّ مُتونُ غُدْرِ ... تُصَفِّقُها الرياحُ إِذا جَرَيْنا


(١) وهي روايته في اللسان.

(٢) زيد في اللسان: في الرويّ، كقوله:

شربنا من دماء بني تميم ... بأطراف القنا حتى روينا

وقوله فيها:

ألم تر أن تغلب بيت عزّ ... جبال معاقلٍ ما يرتقينا؟