تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[سهرد]:

صفحة 40 - الجزء 5

  القَوْم فيرُدُّهم ويقول: أَنا أَبو شَدَّاد. فإِذا كَرُّوا عليه رَدَّهم وقال: أَنا أَبو رَدَّاد.

  والشَّدُّ بالفتح: الحُضْر، والعَدْوُ، والفِعْل اشْتَدَّ، أَي عَدَا، قال ابنُ رُمَيْض العَنْبَرِي:

  هذا أَوَانُ الشَّدِّ فاشْتَدِّي زِيَمْ⁣(⁣١)

  وزِيَمُ: اسمُ فَرَسِه. وفي حديث القِيامة: «كحُضْرِ الفَرَسِ ثم كَشَدِّ الرَّجُلِ الشَّدِيدِ العَدْوِ»، ومنه حديث السَّعْيِ: «لا يَقْطَعُ الوادِيَ إِلَّا شَداًّ» أَي عَدْواً، وفي حديث أُحُدٍ: «حتّى رأَيتُ النّسَاءَ يَشْتَدِدنَ في الجَبلِ» أَي يَعْدُون.

  وشدَّ في العَدْوِ شَداًّ واشْتَدَّ: أَسرع وعَدَا، وقال عَمْرٌو ذو الكَلْب:

  فَقُمْتُ لا يَشْتَدُّ شَدِّي ذو قَدَمْ

  جاءَ بالمصْدر على غير الفِعل، ومثْله كثير.

  والشَّدُّ في النّارِ: ارتفاعُها، هكذا في النُّسخ التي بأيدينا، وهو غلطٌ، والصواب على ما في الأُمَّهَات: والشَّدُّ في النَّهار⁣(⁣٢): ارْتفاعُه، وشَدَّ النهارُ: ارتفَعَ، وكذلك شَدَّ الضُّحَى، يقال جِئْتُك شدَّ النَّهَارِ، وفي شَدِّ النَّهَارِ، وشَدَّ الضُّحَى وفي شَدِّ الضُّحَى. ويقال: لَقِيتُه شَدَّ النَّهَارِ، وهو حين يَرتفع، وكذلك امْتَدَّ، وأَتانا مَدَّ النَّهَارِ، أَي قبْلَ الزَّوالِ حين مَضَى من النَّهَار خَمْسَةٌ. وفي حديث عِتْبَان بنِ مالكٍ: «فغَدَا عَلَيَّ رسولُ الله ÷ بعْدَ ما اشْتَدَّ النَّهَارُ» أَي علا وارتفعت شَمسُه، ومنه قول كعب:

  شَدَّ النَّهَارِ ذِرَاعَيْ عَيْطلٍ نصَفٍ ... قامَتْ فَجاوبَها نُكْدٌ مَثاكِيلُ

  أَي وَقْتَ ارتِفاعِهِ وعُلُوِّه.

  والشَّدُّ: التَّقْوِيَةُ تقول: شَدَّ اللهُ مُلْكَه، وشدَّدَه، أَي قَوَّاه. وقوله تعالى {وَشَدَدْنا مُلْكَهُ}⁣(⁣٣) أَي قَوَّيناه، وشَدَّ على يَدِه: قَوَّاه وأَعانه، قال:

  فإِنّي بِحَمْدِ اللهِ لا سَمَّ حَيَّةٍ ... سَقَتْنِي ولا شَدَّتْ على كَفِّ ذابِحِ

  وشَدَّ عَضُدَه: قَوَّاه، واشتَدَّ الشّيْءُ، من الشِّدَّة.

  والشَّدُّ: الإِيثاقُ وشَدَّهُ: أَوْثَقَه. يَشُدُّه وَيشِدُّه أَيضاً، وهو من النوادر؛ قَال الفرّاءُ: ما كان من المُضَاعَف على فَعَلْتُ غيرَ واقِعٍ فإِن يَفْعِلُ منهُ مكسورُ العَيْنِ، مثل: عَفّ يَعِفُّ وخَفَّ يَخِفُّ، وما أَشبَهَه. وما كان واقِعاً مثل: مَدَدْتُ فإِن يَفْعُلُ منه مضمومٌ إِلّا ثلاثةَ أَحْرُفٍ⁣(⁣٤): شَدَّه يَشُدُّه ويَشِدُّه، وعَلَّه يَعُلُّه ويَعِلُّه، من العَلَلِ⁣(⁣٥)، ونَمَّ الحديثَ يَنُمُّه. فإِن جاءَ مثْلُ هذا مِمَّا لم نَسمعْه، فهو قليلٌ، وأَصلُه الضّمّ.

  قال: وقد جاءَ حرفٌ واحِد بالكسر، من غير أَن يَشرَكه الضمّ، وهو حَبَّه يَحِبُّه. وقال غيره: شَدَّ⁣(⁣٦) فُلانٌ في حُضْرِه.

  وقد حقَّقْنا ذلك في مؤلّفاتنا التصريفيّة. قال الله تعالى: {فَشُدُّوا الْوَثاقَ}⁣(⁣٧): وقال تعالى: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي}⁣(⁣٨) واشْتَدَّ الرَّجلُ: عَدَا، كشَدَّ. وقد تقدّم.

  والمُشادَّةُ في الشيْءِ: التَّشَدُّدُ فيه والمغالبة، ومنه الحديث «: لن يُشَادَّ الدِّينَ أَحدٌ إِلّا غَلَبَهُ» أَراد غَلَبَهَ الدِّينُ، أَي مَنْ يقاوِمُه ويُقاوِيه ويُكَلِّف نفْسَه من العِبَادة فوق طاقته.

  وشادَّه مُشادَّة وشِدَاداً: غالَبَه، وهو مِثْل الحديث الآخَرِ: «إِنَّ هذا الدِّينَ مَتِينٌ فأَوْغِلْ فيه بِرِفْقٍ».

  والمُتَشَدِّدُ: البَخِيلُ، كالشَّدِيدِ، قال طَرفَةُ:

  أَرَى المَوْتَ يَعتامُ الكِرَامَ ويَصْطَفِي ... عَقِيلَةَ مالِ الفَاحِشِ المُتَشَدِّدِ

  والأَشُدَّ مَبْلَغُ الرَّجُلِ الحُنْكَةَ والمَعرِفةَ، قال الله تعالى: {حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ}⁣(⁣٩) وقال الأَزهريّ: الأَشُدُّ في كتابِ الله تعالى على ثلاثةِ معانٍ يَقرب اختلافُهَا: فأَمّا قوله في قصّة يوسُفَ # {وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ}⁣(⁣١٠) فمعناه الإِدراكُ والبُلُوغُ، وحينئذٍ راودَتْه امرأَةُ العزيزِ عن نفْسه.

  وكذلك قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} حَتّى يَبْلُغَ {أَشُدَّهُ}⁣(⁣١١) بفتْح فضَمّ، ويُضَمُّ أَوَّلُهُ وهي


(١) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله رميض، قال في اللسان: ويقال: رميص بالصاد المهملة وهو مضبوط فيه شكلاً بصيغة التصغير».

(٢) اللسان: وشدُّ النهارِ بحذف «في».

(٣) سورة ص الآية ٢٠.

(٤) زيد في الصحاح: جاءت نادرة.

(٥) العَلَل: الشرب الثاني.

(٦) الأصل واللسان، وفي التهذيب: اشتد.

(٧) سورة محمد الآية ٤.

(٨) سورة طه الآية ٣١.

(٩) سورة الأحقاف الآية ١٥.

(١٠) سورة يوسف الآية ٣٣.

(١١) سورة الانعام الآية ١٥.