فصل العين مع الدال، المهملتين
  صَرَّحُوا به، أَي إِنما يُجَرُّ بِمن خاصَّةً.
  وفي التهذيب(١): هي بلُغَاتِها الثَّلاثِ أَقْصَى نِهايات القُرْب، ولذلك لم تُصَغَّر، وهو ظَرفٌ مُبْهَم، ولذلك لم يَتَمَكَّن إِلَّا في موضعٍ واحدٍ، وهو أَن يُقَال لشيْءٍ بلا عِلْم: هذا عِنْدِي كذا وكذا، فَيُقَال أَو لَكَ عِنْدٌ. قال شيخُنا: فعِنْدٌ مُبتدأٌ، ولَك: خَبَرُهُ، استُعْمِلَ غَيْرَ ظَرْفٍ، لأَنَّه قُصِدَ لَفْظُه، أَي هل لك عِنْدٌ تُضِيفُه إِليكَ، نَظِير قولِ الآخر:
  ومَنْ أَنتُمُ حَتَّى يكونَ لَكُمْ عِنْدُ
  وقول الآخر:
  كُلُّ عِنْدٍ لَكَ عِنْدِي ... لا يُسَاوِي نِصْفَ عِنْدِ
  فهذا كُلُّه قُصِدَ الحُكْمُ على لَفْظِه دُونَ مَعْنَاه. وقال الأَزهريُّ: زعموا أَنه في هذا الموضِعِ يُرادُ بِهِ القَلْبُ وما فيه المَعْقُولُ واللُّبُّ(٢) قال: وهذا غيرُ قَوِيٍّ.
  قلْت: وحَكَى ثَعْلَبٌ عن الفَرَّاءِ: قالوا: أَنت عِنْدِي ذاهِبٌ، أَي في ظَنِّي.
  وقال الليث: وهو في التقريبِ شِبْه اللِّزْقِ، ولا يَكادُ يَجِيءُ في الكلامِ إِلَّا منصوباً، لأَنه لا يكون إِلَّا صفةً معمولاً فيها، أَو مُضْمَراً فيها فِعْلٌ، إِلَّا في(٣) قولهم: أَولَك عِنْدٌ. كما تقدَّم.
  وقد يُغْرَى بهَا، أَي حالَة كونِها مُضَافَةً لا وحدَهَا، كما فَهِمَه غيرُ واحدٍ من ظاهِرِ عبارةِ المصنِّف، لأَن الموضوعَ للإِغراءِ هو مجموعُ المضافِ والمضافِ إِليه. صَرَّحَ به شيخُنا. ويدلّ لذلك قوله: عنْدَكَ زَيداً، أَي خُذْهُ، وقال سيبويهِ: وقالوا: عِنْدَكَ، تُحَذِّرُه شَيْئاً بينَ يَدَيْهِ، أَو تأْمُره أَن يَتَقَدَّم، وهو من أَسماءِ الفِعْلِ لا يَتَعَدَّى. وقال الفرّاءُ: العَرَبُ تأْمُر من الصِّفاتِ بِعَلَيْكَ، وعِنْدَكَ، ودُونَك، وإِلَيْك، يقولون: إِليكَ إِليكَ عَنِّي، كما يَقُولون: وراءَك وَراءَك، فهذه الحروفُ كثيرة. وزَعَم الكسائِيُّ أَنَّه سَمِعَ، بَيْنَكُما البَعيرَ فَخُذَاه. فنَصَب البَعِيرَ. وأَجاز ذلك في كلِّ الصِّفاتِ التي تُفْرَد، ولم يُجِزْه في اللام، ولا الباءِ، ولا الكافِ، وسَمِعَ الكسائيُّ العَرَب تقولُ: كَما أَنْتَ وزيداً، ومكانَك وزيداً. قال الأَزهريُّ: وسَمِعْتُ بعضَ بني سُلَيْمٍ يقول: كَمَا أَنْتَنِي، يقول: انتَظِرْنِي في مكانِكَ.
  قال شيخُنا: وبَقِيَ عليهم أَنهم استَعْملوا عِنْد في مُجَرَّد الحُكْم من غيرِ نَظَرٍ لظَرْفيّةٍ أَو غيرِهَا، كقولِهم عنْدِي مالٌ، لما هو بِحَضْرتك، ولِما غابَ عَنْك، ضُمِّنَ معنَى المِلْك والسُّلطانِ على الشيْءِ، ومن هُنا استُعْمِل في المَعَانِي، فيقال: عِنْدَه خَيْرٌ، وما عِنْدَه شَرٌّ، لأَنَّ المَعَانِيَ ليس لها جِهَاتٌ. ومنه {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ}(٤) أَي مِن فَضْلِكَ. ويكون بمعنى الحُكْم، يقال: هذا عِنْدِي أَفضلُ من هذا، أَي في حُكْمِي. وأَصلُه في «درة الغوّاص» للحريريِّ.
  ولا تَقُلْ: مَضَى إِلى عِنْدِهِ، ولا إِلى لَدُنْهُ وهكذا في الصّحاح. وفي «درة الغّواص»: قولُهم: ذَهَبتُ إِلى عِنْدِه لَحْنٌ لا يَجُوز استعمالُه، ونسَبَه للعامَّةِ.
  وفَرَّق الدَّمامينِيُّ بينَها وبين لَدُن، من وُجوهٍ سِتَّةٍ، ورَدَّ ما زَعَمَه المَعَرِّيُّ من اتِّحادِهما، ومَحَلُّ بَسْطِه المُطَوَّلاتُ.
  والعِنْدُ مُثَلَّثَةً: النّاحِيَةُ. وبالتَّحْرِيكِ: الجانبُ، وقد عانَد فُلانٌ فُلاناً، إِذا جَانَبه، ودَمٌ عانِدٌ: يَسِيل جانباً. وبِه فسّر قول الراجز:
  حُبَّ الحُبَارَى ويَزِفُّ عَنَدَهْ
  وقال ثعلب المُرَادُ بالجَانِبِ هنا الاعتراضُ. والمعنى يُعَلِّمه الطَّيرَانَ، كما يُعَلِّمُ العُصفورُ وَلَدَه، وأَنشد:
  وكُلُّ خِنْزِيرٍ يُحِبُّ وَلَدَه ... حَبّ الحُبَارَى
  الخ(٥).
  ومن المجاز: سَحَابَةٌ عَنُودٌ، كَصَبُورٍ: كَثِيرةُ المَطَرِ لا تَكاد تُقْلِع، وجَمْعُه: عُنُدٌ، قال الراعي:
(١) كذا، ولم تذكر في التهذيب، والصواب: وفي المحكم، فالعبارة منقولة عنه.
(٢) التهذيب: «وما فيه من معقول اللبّ.» وفي المحكم: «وما فيه من اللبّ».
(٣) في التهذيب: إلّا في حرف واحد. وذلك أن يقول القائل لشيء بلا علم: هذا عندي كذا وكذا، فيقال: أَوَلك عندٌ فيرفع.
(٤) سورة القصص الآية ٢٧.
(٥) رواية التهذيب:
وقد يحب كل شيء ولده ... حتى الحبارى وتدفّ عنده