تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل النون مع الدال المهملة

صفحة 270 - الجزء 5

  هو الشديدُ البأْسِ، وقيل: هو السَّرِيعُ الإِجابَةِ إِلى ما دُعِيَ إِليه، خَيْراً كان أَو شَرًّا، كالنَّجِدِ، والنَّجُدِ، ككَتِفٍ ورَجُلٍ، والنَّجِيدِ، والجمع أَنْجَادٌ، قال ابنُ سِيدَه: ولا يُتَوَهَّمَنَّ أَنْجَادٌ جَمْعُ نَجِيدٍ، كنَصِيرٍ وأَنْصَارٍ قِياساً على أَنّ فَعْلاً⁣(⁣١) وفِعَالاً لا يُكَسَّرَانِ لِقلَّتهما في الصِّفة، وإِنما قِيَاسُهما الواو والنون، فلا تَحْسَبَنَّ ذلك، لأَن سيبويهِ قد نَصَّ على أَنّ أَنْجَاداً جَمْعُ نَجُدٍ ونَجِدٍ. وقد نَجُدَ، ككَرُمَ، نَجَادَةً ونَجْدَةً، بالفتح فيهما، وجَمْعُ نَجِيدٍ نُجُدٌ ونُجَدَاءُ.

  والنَّجْدُ: الكَرْبُ والغَمُّ، وقد نُجِدَ، كعُنِيَ، نَجْداً فهو مَنْجُودٌ ونَجِيدٌ: كُرِبَ، والمَنْجُود: المَكْرُوب، قال أَبو زُبَيْد يرثِي ابنَ أُخْتِه وكان ماتَ عَطَشاً في طريقِ مكَّةَ:

  صَادِياً يَسْتَغِيثُ غَيْرَ مُغَاثٍ ... وَلَقَدْ كَانَ عُصْرَةَ المَنْجُودِ

  يُريد المَغْلُوب المُعْيَا، والمَنْجُود: الهالِك. وفي الأَساس: وتقول: عِنْده نُصْرَةُ المَجْهُودِ وعُصْرَةُ المَنْجُود.

  ونُجِدَ البَدَنُ عَرَقاً إِذا سَالَ يَنْجَدُ ويَنْجُدُ الأَخيرةُ نادِرَةٌ، إِذا عَرِق من عَمَلٍ أَو كَرْبٍ فهو مَنجود ونَجِيد ونَجِدٌ، ككِتفٍ: عَرِقٌ، فأَمّا قوله:

  إِذا نَضَخَتْ بِالماءِ وَازْدَادَ فَوْرُهَا ... نَجَا وهْوَ مَكْرُوبٌ مِنَ الغَمِّ نَاجِدُ

  فإِنه أَشْبَعَ الفَتْحَةَ اضطراراً، كقوله:

  فَأَنْتَ مِنَ الغَوَائلِ حِينَ تَرْمِي ... ومنْ ذَمِّ الرِّجالِ بِمُنْتَزَاحِ

  وقيل: هو على فَعِلٍ كعَمِلٍ فهو عامِلٌ، وفي شِعر حُميد بن ثَور:

  ونَجِدَ المَاءُ الذي تَوَرَّدَا

  أَي سَالَ العَرَقُ، وتَوَرُّدُه: تَلَوُّنُه.

  والنَّجْدُ: الثَّدْيُ والبَطْنُ تَحْتَه كالغَوْرِ، وبه فُسِّر قولُه تعالى: {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ}⁣(⁣٢) أَي الثَّدْيَيْنِ، وقيل: أَي طَرِيقَ الخَيْرِ وطَرِيقَ الشَّرِّ، وقيل: النَّجْدَيْنِ: الطَّرِيقَيْنِ الواضِحَينِ، والنَّجْدُ: المُرْتَفع من الأَرْضِ، والمعنَى أَلَمْ نُعَرِّفْه طَرِيقَيِ الخَيْرِ والشَّرِّ بَيِّنَيْنِ كبَيَانِ الطَّرِيقَيْنِ العَالِيَيْنِ.

  وتقول: ذِفْرَاهُ تَنْضَخُ النَّجَدَ بالتَّحْرِيك: العَرَق من عَمَلٍ أَو كَرْبٍ أَو غيرِه، قال النابغةُ:

  يَظَلُّ مِنْ خَوْفِهِ المَلَّاحُ مُعْتَصِماً ... بِالخَيْزُرانةِ بَعْدَ الأَيْنِ والنَّجَدِ

  وهو أَيضاً البَلَادَةُ والإِعياءُ وقد نَجِدَ، كفَرِحَ، يَنْجَد، إِذا بَلُد وأَعْيَا، فهو ناجِدٌ ومَنْجُود.

  ومن المَجاز قولهم: هو طَلَّاعُ أَنْجُدٍ وطَلَّاعُ أَنْجِدَةٍ وطَلَّاعُ نِجَادٍ، وطَلَّاع النِّجادِ [أَي]⁣(⁣٣) ضابِطٌ للأُمورِ غالبٌ⁣(⁣٤) لها، وفي الأَساس: رَكَّابٌ لِصِعَابِ الأُمورِ. قال الجوهريُّ يقال: طَلَّاعُ أَنْجُدٍ: وطَلَّاعُ الثَّنَايَا، إِذا كان سامِياً لمَعَالِي الأُمُورِ، وأَنْشَدَ بَيْتَ حُمَيْدِ بنِ أَبي شِحَاذٍ الضَّبِّيّ، وقيل هو لِخَالِدِ بن عَلْقَمَةَ الدّارِمِيّ:

  فَقَدْ يَقْصُرُ الفَقْرُ الفَتَى دُونَ هَمِّهِ ... وقَدْ كَانَ لَوْلَا القُلُّ طَلَّاعَ أَنْجُدِ

  يقول: قد يَقْصُر الفَقْرُ الفَتَى عن سَجِيَّتِه من السَّخَاءِ فلا يَجِدُ ما يَسْخُو به، ولو لا فَقْرُه لَسَمَا وارْتَفَعَ. وطَلَّاعُ أَنْجِدَةٍ، جَمْع نِجَادٍ، الذي هو جَمْعُ نَجْدٍ، قال زِيَادُ بن مُنْقِذٍ في معنَى أَنْجِدَةٍ [بمعنى أَنْجُدٍ]⁣(⁣٥) يَصِفُ أَصحاباً له كان يَصْحَبُهُم مَسْرُوراً:

  كَمْ فِيهِمُ مِنْ فَتًى حُلْوٍ شَمَائِلُهُ ... جَمِّ الرَّمَادِ إِذا مَا أَخْمَدَ البَرِمُ

  غَمْرِ النَّدَى لَا يَبِيتُ الحَقُّ يَثْمُدُهُ ... إِلَّا غَدَا وَهْوَ سَامِي الطَّرْفِ مُبْتَسِمُ

  يَغْدُو أَمَامَهُمُ فِي كُلِّ مَرْبَأَةٍ ... طَلَّاعِ أَنْجِدَةٍ فِي كَشْحِةِ هَضَمُ


(١) بهامش اللسان: «.. ولعل المناسب على أن فعلا وفعلا كرجل وكتفٍ لا يكسران، أي على أفعال. وقوله: لقلتهما في الصفة، لعل المناسب: لقلته، أي أفعال في الصفة، لأنه إنما ينقاس في الاسم». ونبه بهامش المطبوعة المصرية إلى عبارة اللسان، ولم يشر إلى ما جاء بهامشه.

(٢) سورة البلد الآية ١٠.

(٣) سقطت من الأصل واستدركت عن القاموس.

(٤) كلمة «غالب» وردت في احدى نسخ القاموس.

(٥) زيادة عن اللسان.