تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[وجد]:

صفحة 293 - الجزء 5

  ووِجْدَاناً وإِجْدَاناً، بِكَسْرِهما، الأَخِيرة عن ابن الأَعْرابيّ: أَدْرَكَه، وأَنشد:

  وآخَر مُلْتَاث يجُرُّ كِساءَه ... نَفَى عَنْه إِجْدَانُ الرِّقِينَ المَلَاوِيَا

  قال: وهذا يَدُلّ على بَدَلِ الهمزة من الواوِ المكسورةِ، كما قالوا إِلْدَة في وِلْدَة. واقتصر في الفَصيح على الوِجْدَان، بالكسر، كما قالوا في أَنشَدَ: نِشْدَان، وفي كتاب الأَبنيَة لابن القطّاع: وَجَدَ مَطْلوبَه يَجِدُه وُجُوداً ويَجُدْه أَيضاً، بالضمّ، لُغَة عامِريّة لا نظير لَهَا في باب المِثال، قال لَبِيدٌ وهو عامِرِيٌّ:

  لَمْ أَرَ مِثْلَكِ يَا أُمَامَ خَلِيلَا ... آبَى⁣(⁣١) بِحَاجَتِنَا وَأَحْسَنَ قِيلَا

  لَوْ شِئْتِ قَدْ نَقَعَ الفُؤَادُ بِشَرْبَةٍ⁣(⁣٢) ... تَدَعُ الصَّوادِيَ لَا يَجُدْنَ غَلِيلاً

  بِالعَذْبِ مِنْ رَضَفِ القِلَاتِ مَقِيلَةً ... قَضَّ الأَباطِحِ لَا يزالُ ظَلِيلَا⁣(⁣٣)

  وقال ابْنُ بَرّيّ: الشِّعْرُ لِجَرِيرٍ وليس للبيدٍ، كما زعم الجوهَرِيُّ. قلت: ومثله في البصائر للمُصَنِّف وقال ابن عُدَيْس: هذه لُغَة بني عامرٍ، والبيتُ للبيد، وهو عامِريٌّ، وصرّحَ به الفرَّاءُ، ونقله القَزَّاز في الجامع عنه، وحكاها السيرافيُّ أَيضاً في كتاب الإِقناع، واللِّحْيَانيُّ في نوادِرِه، وكُلُّهم أَنشدوا البَيْتَ، وقال الفَرَّاءُ: ولم نسمع لها بنَظِيرٍ، زاد السيرَافيّ: ويُروَى: يَجِدْن، بالكسر، وهو القياس، قال سِيبويهِ: وقد قال ناسٌ من العرب وَجَد يَجُد، كأَنهم حَذَفوها مِن يَوجُدُ، قال: وهذا لا يكادُ يُوجد في الكلام. قلت: ويفهم من كلام سيبويه هذا أَنها لُغَة في وَجَد بجميع معانِيه، كما جَزَم به شُرَّاح الكتابِ، ونقلَه ابنُ هِشَامٍ اللَّخميُّ في شَرْح الفَصِيح، وهو ظاهرُ كلامِ الأَكثر، ومقتضَى كلام المصنّف أَنها مقصورةٌ على مَعْنَى وَجَدَ المَطلوبَ، ووَجَد عليه إِذا غَضِب، كما سيأْتي، ووافقَه أَبو جَعفر اللَّبْلِيّ في شَرْح الفصيحِ، قال شيخُنَا: وجَعلُها عامَّةً هو الصواب، ويدلُّ له البيتُ الذي أَنشدُوه، فإِن قوله: «لا يَجُدْن غَلِيلاً» ليس بشيْءٍ مما قَيَّدُوه به، بل هو من الوِجْدَانِ، أَو من معنَى الإِصابة، كما هو ظاهر، ومن الغريب ما نَقَلَه شيخُنَا في آخرِ المادّة في التنبيهات ما نَصُّه: الرابع، وقَعَ في التسهيل للشيخ ابنِ مالكٍ ما يقتضي أَن لُغَة بني عامِرٍ عامَّة في اللسان مُطْلقاً، وأَنَّهُم يَضُمُّون مُضَارِعَه مُطْلَقاً من غيرِ قَيْدٍ بِوَجَدَ أَو غيرِه، فيقولون وَجَد يَجُد ووَعَدَ يَعُدُ، ووَلَد يَلُدُ، ونَحْوها، بضمّ المضارع، وهو عجيبٌ منه |، فإِن المعروف بين أَئمّة الصَّرْف وعُلماءِ العَربيَّةِ أَن هذه اللغةَ العامريَّةَ خاصَّةٌ بهذا اللفظ الذي هو وَجَدَ، بل بعضُهم خَصَّه ببعضِ مَعَانِيه، كما هو صَنِيعُ أَبي عُبيدٍ في المُصَنَّف، واقتضاه كلامُ المُصَنِّف، ولذلك رَدّ شُرَّاحُ التسهيل إِطلاقَه وتَعَقَّبُوه، قال أَبو حَيَّان: بنو عامرٍ إِنما رُوِيَ عنهم ضَمُّ عَيْنِ مُضَارعِ وَجَدَ خاصَّةً، فقالوا فيه يَجُدُ، بالضّمّ، وأَنشدوا:

  يَدَعُ الصَّوَادِيَ لَا يَجُدْنَ غَلِيلَا

  على خلافٍ في رِوَايَةِ البيتِ، فإِن السيرافيّ قال في شرح الكتاب: ويُرْوَى بالكسر، وقد صرَّح الفارَابِيُّ وغيرُه بِقَصْرِ لُغَةِ بني عامرِ بن صَعْصَعَة على هذه اللفظةِ، قال: وكذا جَرَى عليه أَبو الحسن بن عصفور فقال: وقد شَذَّ عن فَعَل الذي فاؤه واوٌ لفظةٌ واحدةٌ، فجاءَت بالضمّ، وهي وَجَد يَجُد، قال: وأَصلُه يَوْجُد فحُذِفت الواو، لكَون الضَّمَّة هنا شاذَّةً، والأَصل الكسْر. قلت: ومثل هذا التعليل صَرَّحَ به أَبو عليٍّ الفارسيُّ قال: ويَجُد كانَ أَصلُه يَوْجُد، مثل يَوْطُؤُ، لكنه لما كان فِعْلٌ يُوْجَدُ فيه يَفْعِل ويَفْعُلُ كأَنَّهم توَهَّموا أَنه يَفْعُل، ولما كان فِعْلٌ لا يُوجَد فيه إِلَّا يَفْعِل لم يَصِحّ فيه هذا.

  ووَجَدَ المالَ وغَيْرَه يَجِدُه وجْداً، مثلَّثَةً وجِدَةً، كعِدَةٍ: اسْتَغْنَى، هذه عبارةُ المُحْكَم، وفي التهذيب يقال: وَجَدْتُ في المال وُجْداً ووَجْداً⁣(⁣٤) ووِجْداً ووِجْدَاناً وجِدَةً، أَي صرْتُ ذا مالٍ، قال: وقد يُستعمل الوِجْدَانُ في الوُجْدِ، ومنه قولُ


(١) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله آبى، الذي في التكملة أنأى».

(٢) في ديوان جرير - والأبيات لجرير يهجو بها الفرزدق، وليس للبيد -

بمشرب بدع الحوائم

وقوله: نقع الفؤاد أي روي، يقال: نقع الماء العطش، اذهبه نقعاً ونقوعاً فيهما. والصادي: العطشان.

(٣) القلات جمع قلت وهو نقرة في الجبل يستنقع فيها ماء السماء. وقض الأباطح: يريد أنها خصبة.

(٤) سقطت من التهذيب المطبوع: وفي اللسان فكالأصل.