تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الكاف مع الهمزة

صفحة 232 - الجزء 1

  قلت: وهو أَي الإِكفاء أَحَدُ عيُوبِ القافية السّتَّة التي هي: الإِيطاءُ، والتَّضمينُ، والإِقواءُ، والإِصرافُ، والإِكفاءُ، والسِّنادُ، وفي بعض شُروح الكافي: الإِكفاءُ هو اختلافُ الرَّوِيِّ بحُروفٍ مُتَقَارِبَةِ المخارج، أَي كالطَّاءِ مع الدَّالِ، كقوله:

  إِذَا رَكِبْتُ فاجْعلاني وَسَطَا ... إِنِّي كَبِيرٌ لَا أُطِيقُ العُنَّدَا

  يريد العُنَّتَ، وهو من أَقبح العيوب، ولا يجوز لأَحد من المُحدَثين ارتكابه، وفي الأَساس: ومن المجاز: أَكْفَأَ في الشِّعْرِ: قَلَب حَرْفَ الرَّوِيِّ من راءٍ إِلى لامٍ، أَو لامٍ إِلى ميمٍ، [ونحوِه من الحروفِ المُتقارِبةِ المَخْرَجِ، أَو مخالفةِ إِعرابِ القوافي]⁣(⁣١)، انتهى. أَوْ أَكفأَ في الشعر إِذا أَقْوَى فيكونان مُتَرادِفَيْنِ، نقله الأَخفشُ عن الخَليل وابن عبدِ الحَقّ الإِشْبِيلي في الواعي وابن طريف في الأَفعال، قيل: هما واحد، زاد في الواعي: وهو قَلْبُه القافية من الجَرِّ إِلى الرفع وما أَشبه ذاك، مأْخوذٌ من كَفَأْتُ الإِناء: قَلَبْتُه، قال الشاعر [النابغة الذبياني]:

  أَفِدَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا⁣(⁣٢) ... لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِ

  زَعَمَ الغُدَافُ بِأَنَّ رِحْلَتَنَا غَداً ... وَبِذَاكَ أَخْبَرَنا الغُدَافُ الأَسْوَدُ

  وقال أَبو عُبيدٍ البكريُّ في فَصْلِ المَقال: الإِكفاءُ في الشعر إِذا قُلْتَ بَيْتاً مرفوعاً وآخرَ مخفوضاً، كقول الشاعر:

  وهَلْ هِنْدُ إِلَّا مُهْرَةٌ عَرَبِيَّةٌ ... سَلِيلَةُ أَفْرَاسٍ تَجَلَّلَها بَغْلُ⁣(⁣٣)

  فَإِن نُتِجَتْ مُهْراً كَرِيماً فَبِالْحَرَى ... وَإِنْ يَكُ إِقْرَافٌ فَمِنْ قِبَلِ الفَحْلِ

  أَوْ أَفْسَدَ في آخِرِ البَيْتِ أَيَّ إِفْسَادٍ كانَ قال الأَخفش: وسأَلت العربَ الفُصحاءَ عنه⁣(⁣٤)، فإِذا هم يَجعلونه الفسادَ في آخرِ البيت والاختلافَ، من غير أَن يَحُدُّوا في ذلك شيئاً، إِلا أَني رأَيتُ بعضَهم يَجعله اختلافَ الحروفِ، فأَنشدته:

  كَأَنَّ فَا قَارُورَةٍ لم تُعْفَصِ ... مِنْها حِجَاجَا مُقْلَةٍ لَمْ تُلْخَصِ

  كَأَنَّ صِيرَانَ المَهَا المُنَقِّز

  فقال: هذا هو الإِكفاءُ، قال: وأَنشده آخرُ قَوافِيَ على حُروفٍ مُختلفةٍ، فعَابِه، ولا أَعلمه إِلَّا قال له: قد أَكْفَأْتَ. وحكى الجوهريُّ عن الفرَّاءِ: أَكفَأَ الشاعرُ، إِذا خالف بين حَركات الرَّويِّ، وهو مِثْلُ الإِقواءِ، قال ابنُ جِنّي: إِذا كان الإِكفاءُ في الشّعْرِ محمولاً على الإِكفاء في غيرِه، وكان وَضْعُ الإِكفاء إِنما هو للخلافِ ووقوعِ الشيْءِ على غيرِ وَجْهِهِ لمْ يُنْكَرْ أَنْ يُسَمُّوا به الإِقواءَ في اختلافِ حرف الرَّوِيّ⁣(⁣٥) جميعاً، لأَن كلَّ واحدٍ منهما واقعٌ على غيرِ استواءٍ، قال الأَخفش: إِلا أَني رأَيتهم إِذا قَرُبتْ مَخَارجُ الحُروف، أَو كانت من مَخرَجٍ واحدٍ ثم اشتَدَّ تَشابُهُهَا لم يَفْطُنْ⁣(⁣٦) لها عَامَّتُهم، يعني عامَّةَ العربِ، وقد عاب الشيخُ أَبو محمد بن بَرِّيٍّ على الجوهريِّ قولَه: الإِكفاءُ في الشعر: أَن يُخالَفَ بين قَوَافِيه فتَجْعَل⁣(⁣٧) بعضَها ميماً وبعضَها طاءً، فقال: صوابُ هذا أَن يقول: وبعضَها نُوناً، لأَن الإِكفاءَ إِنما يكون في الحروف المتقارِبة في المَخْرَجِ، وأَمَّا الطاءُ فليستْ من مَخْرَج المِيمِ⁣(⁣٨). والمُكْفَأُ في كلامِ العربِ هو المقلوبُ، وإِلى هذا يَذهبون، قال الشاعر:

  وَلَمَّا أَصَابَتْنِي مِنَ الدَّهْرِ نَزْلَةٌ ... شُغِلْتُ وَأَلْهَى النَّاسَ عَنِّي شُؤُنُهَا

  إِذَا الفَارِغُ المَكْفِيُّ مِنْهُمْ دَعَوْتُهُ ... أَبَرَّ وَكَانَتْ دَعْوَةً تَسْتَدِيمُهَا


(١) ما بين معكوفين ليس في الأساس.

(٢) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله أفد كذا بخطه وفي نسخ أزف وكلاهما بمعنى قرب اه».

(٣) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله تجللها هكذا بخطه بالجيم وفي بعض نسخ الصحاح بالحاء المهملة وفي بعضها بالخاء المعجمة اه».

(٤) اللسان: عن الاكفاء.

(٥) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله «حرف الروي» هكذا بخطه وبالنسخ أيضاً» وفي اللسان: حروف الروي.

(٦) اللسان: لم تفطن.

(٧) اللسان: «فيجعل» وليست في الصحاح.

(٨) عبارة الصحاح: والإكفاء في الشعر: أن يخالف بين قوافيه بعضها ميم وبعضها نون، وبعضها دال وبعضها طاء، وبعضها حاء وبعضها خاء ونحو ذلك.