تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الجيم مع الراء

صفحة 162 - الجزء 6

  فاخِرَاتٌ ضُلُوعها في ذُرَاها ... وأَناضَ العَيْدَانُ والجَبّارُ

  وقال أَبو حنيفةَ: الجَبّارُ: الذي قد ارتُقِيَ فيه ولم يَسقُط كَرْمُه، قال: وهو أَفْتَى النَّخْلِ وأَكرَمُه.

  وقد تُضَمُّ، وهذه عن الصَّاغانيّ⁣(⁣١).

  والجَبّارُ أَيضاً: المُتَكَبِّرُ الذي لا يَرَى لأَحَدٍ عليه حَقًّا، يُقَال: هو جَبّارٌ من الجَبَابِرَة، فهو بَيِّنُ الجِبْرِيَّةِ والجِبْرِيَاءِ، مكسورتَيْن غير أَنّ الأُولَى مشدَّدةُ الياءِ التحتيَّة، والثانيةَ ممدودةٌ والجِبِرِيَّةِ، بكَسَرَاتٍ مع تشديدِ التحتيّة، والجَبَرِيَّةِ محرَّكة، ذَكَره كُرَاع في المجرَّد والجَبَرُوَّةِ، بضمِّ الراءِ وتشديدِ الواوِ المفتوحَةِ، وقد جاءَ في الحديث: «ثم يكونُ مُلْكٌ وَجَبَرُوَّةٌ»⁣(⁣٢)؛ أَي عُتُوٌّ وقَهْرٌ. والجَبَرُوتَا، على مثال رَحَمُوتَا، نقلَه شُرّاحُ الفَصِيح كالتُّدْمِيرِيِّ وغيره، والجَبَرُوتِ، الأَربعةُ مُحَرَّكاتٌ، وهذا الأَخيرُ من أَشهرِهَا، وفي الحديث: «سُبْحَانَ ذِي الجَبَرُوتِ والمَلَكُوتِ» قال ابنُ الأَثِير، والفِهْرِيُّ شارحُ الفَصِيح، وابنُ مَنْظُورٍ، وغيرُهم: هو فَعَلُوت من الجَبْر والقَهْر والقَسْر، والتاءُ فيه زائدةٌ للإِلحاق بقَبَرُوس، ومثلُه مَلَكُوت من المُلْك، ورَهَبُوت من الرَّهْبَة، ورَغَبُوت من الرَّغْبَة، ورَحَمُوت من الرَّحْمَة، قيل: ولا سادِسَ لها، قال شيخُنا: وفيه نَظَرٌ، وفي العِناية:

  الجَبْرُوتُ: القَهْرُ والكِبْرِيَاءُ والعَظَمةُ، ويُقَابِله الرَّأْفَةُ.

  والجَبْرِيَّةِ بسكونِ الموحَّدةِ وتشديدِ التحتيَّةِ والجَبْرُوَّة، هو مثل الذي تقدَّم، غير أَن الموحَّدةَ هنا ساكنةٌ، والتَّجْبَار والجَبَّورَةِ مثلِ الفَرُّوجَةِ، مَفْتُوحات، والجُبُّورَةِ والجُبْرُوتِ⁣(⁣٣)، مضمومتَيْن، فهؤلاءِ ثلاثةَ عشرَ مصادرَ، ذَكَرها أَئِمَّةُ الغَرِيب، وهي مفرَّقة في الدَّواوين، ومما زِيدَ عليه: جَبُّورٌ، كتَنَّور، ذَكَره اللِّحْيَانيُّ في النوادر، وكُراع في المجرَّد، وجُبُور، بالضمّ، ذَكَره اللِّحْيَانيُّ، وجَبَريَّا محرَّكة، ذكره أَبو نصرٍ في الأَلفاظ، وجَبْرَؤت، كعَنْكَبُوت، ذَكَره التدْمِيرِيُّ شارحُ الفصيحِ، والجِبْرِيَاءُ، ككِبْرِيَاءَ، أَوردَه في اللسان، فصار المجموع ثمانيةَ عشرَ، ومعنى الكلِّ الكِبْر. وأَنشدَ الأَحْمَرُ لمُغَلِّسِ بنِ لَقِيطٍ الأَسَدِيِّ يُعَاتِبُ رجلاً كان والِياً على أُضَاخَ:

  فإِنّكَ إِنْ عادَيْتَنِي غَضِبَ الحَصَى ... عليك وذُو الجُبَّورة المَتغطرِفُ⁣(⁣٤)

  يقول: إِن عادَيْتَنِي غَضِبَ عليك الخَلِيقَةُ، وما هو في العَدَد كالحَصَى، والمُتغَطرف: المتكبِّر.

  وجَبْرَائِيلُ: عَلَمُ مَلَك، ممنوع من الصَّرف للعَلَمِيَّة والعُجْمَةِ، والتَّرْكِيبِ المَزْجِيِّ، على قولٍ، أَي عبدُ الله.

  قال الشِّهَاب: سُرْيانيٌّ، وقيل: عِبْرانيّ، ومعناه عبدُ الله، أَو عبدُ الرَّحمن، أَو عبدُ العَزِيز. وذكر الجوهريُّ والأَزهريُّ وكثيرٌ من الأَئِمَّة أَنّ «جَبْر» «ومِيك» بمعنى عَبْد. و «إِيل» اسم الله، وصَرَّح به البُخارِيُّ أَيضاً، ورَدَّه أَبو عليٍّ الفارسيُّ بأَنَّ إِيل لم يَذكره أَحدٌ في أَسمائه تعالَى. قال الشِّهَاب: وهذا ليس بشيْءٍ. قال شيخُنا: ونُقِلَ عن بعضهم أَنّ إِيلَ هو العَبْدُ، وأَنّ ما عَداه هو الاسمُ مِن أَسماءِ الله، كالرَّحمن والجَلالة، وأَيَّدَه اختلافُها دُونَ إِيل، فإِنه لازِمٌ، كما أَنّ عَبْداً دائماً يُذْكَرُ، وما عَداه يَختلفُ في العربيَّة، وزادَه تأْييداً بأَن ذلك هو المعروفُ في إِضافة العَجَمِ. وقد أَشار لمثل هذا البحثِ عبدُ الحَكِيم في حاشية البَيْضَاوِيِّ. قلتُ: وأَحسنُ ما قِيل فيه أَن الجَبْرَ بمنزلةِ الرَّجُلِ، والرجلُ عبدُ الله، وقد سُمِعَ الجَبْرُ بمعنى الرَّجُلِ في قول ابنِ أَحْمَرَ، كما تَقَدَّمتِ الإِشارُ إِليه، كذا حَقَّقَه ابنُ جِنِّي في المحتسب. فيه لُغاتٌ قد تَصَرَّفَتْ فيه العربُ على عادتها في الأَسماءِ الأَعجميَّة، وهي كثيرٌ.

  وقد ذَكَر المصنِّف هنا أَرباعَ عشرَةَ لغةً:

  الأُولَى: جَبْرَئِيلُ، كَجَبْرَعِيل، قال الجوهريُّ: يُهمَز ولا يُهمَز، قال الشِّهاب: ومن قَواعدهم المشهورةِ أَنَّهم يُبْدِلُون همزَةَ الكلمة بالعَيْن، عند إِرادة البَيَانِ، وعليه جَرَى سِيبَوَيْه في الكتاب، فمَن دُونَه، ومنهم مَن نَظَّرَه بسَلْسَبِيل، وبها قرأَ حمزةُ والكسائيُّ، وهي لغةُ قيس وتَمِيم. وقال الجوهريُّ: وأَنشدَ الأَخْفَشُ لكَعْبِ بنِ مالك:


(١) في التكملة: الجُبَّار ... لغة في الجَبَّار.

(٢) في النهاية: وجبروت.

(٣) ضبطت في الصحاح، ضبط قلم، بضم الجيم وفتح الياء.

(٤) في التهذيب: «المتغترف» وورد في اللسان «غترف» أيضاً بروآية التهذيب.