[نسأ]:
  حُذَيْفَة بن عَبْدِ بن فُقَيْم نسأَ الشهور أَربعين سنةً، وهو الذي أَدرك الإِسلام منهم، وكان أَوّلَ من نَسَأَ قَلَعٌ، نَسَأَ سَبْعَ سِنين، ونَسَأَ أُميّةُ إِحدى عَشْرَة سنةً، وكان أَحدُهم يقوم فيقول: إِني لا أُحاب ولا أُعاب، ولا يُرَدُّ قولي. ثم يَنْسَأُ الشهورَ، وهذا قولُ هِشَامِ بن الكَلْبِيّ، وحدثني عبدُ الله بن صالح، عن أَبي كُناسَةَ، عن مشايخه قالوا: كانوا يُحِبُّون أَن يكون يَوْمُ صَدَرِهم عن الحَجِّ في وقت واحدٍ من السنة، فكانوا يَنْتَسِئُونَه، والنَّسِيءُ: التأْخيرُ، فيُؤَخِّرونه في كلِّ سنةٍ أَحدَ عشرَ يوماً، فإِذا وقَع في عدَّة أَيَّامٍ من ذي الحجَّة جعلوه في العامِ المُقْبِل، لزيادة أَحدَ عشرَ يوماً من ذي الحجة، ثم على تلك الأَيام، يفعلون كذلك في أَيَّام السنة كُلِّهَا، وكانُوا يُحَرِّمون الشهرينِ اللَّذَيْنِ يقع فيهما الحجُّ والشهْرَ الذي بعدَهما، {لِيُواطِؤُا} في النَّسِيءِ بذلك {عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ}، وكانوا يُحَرِّمون رَجَباً كيف وقعَ الأَمرُ، فيكون في السنة أَربعَةُ أَشْهُر حُرمٌ، وقال عَمْرُو بن بُكَيْر: قال المُفضَّل الضَّبِّيّ: يُقال لِنَسأَةِ الشهورِ: القَلَامِسُ، واحدهم قَلَمَّسٌ، وهو الرئيس المُعَظَّم، وكان أَوّلهم حُذيفَة بن عَبْدِ بن فُقَيْم بن عَدِيِّ بن عامر بن ثَعْلَبَةَ بن الحارث بن مالك بن كِنانة، ثم ابنه قَلَعُ بن حُذيفة، ثم عَبَّاد بن قلع، ثم أُمية بن قلع، ثم عَوف بن أُمَية، ثم جُنَادة بن أُميَّة بن عوف بن قَلَعٍ. قال: وكانت خَثْعَم وطَيِّءُ لا يُحَرِّمون الأَشْهُرَ الحُرُمَ، فيُغيِرون فيها ويُقاتِلون، فكان مَنْ نَسَأَ الشهورَ من الناسِئين يقوم فيقولُ: إِني لا أُحَاب ولا أُعَاب ولا يُرَدُّ ما قَضَيْتُ به، وإِني قد أَحللت دِماءَ المُحَلِّلِين من طَيِّءَ وخَثْعَم، فَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ إِذا عرضوا لكم. وأَنشدني عبدُ الله بن صالحٍ لبعض القَلامِس:
  لَقَدْ عَلِمَتْ عُلْيَا كِنَانَةَ أَنَّنَا ... إِذا الغُصْنُ أَمْسَى مُورِقَ العُودِ أَخْضَرا
  أَعَزُّهُم سِرْباً وَأَمْنَعُهمْ حِمًى ... وأَكْرَمُهمْ في أَوَّلِ الدَّهْرِ عُنْصُرَا
  وأَنَّا أَرَيْنَاهُمْ مَنَاسِكَ دِينِهِمْ ... وَحُزْنَا لَهُمْ حَظًّا مِنَ الخَيْرِ أَوْفَرَا
  وَأَنَّ بِنَا يُسْتَقْبَلُ الأَمْرُ مُقْبِلاً ... وَإِنْ نَحْنُ أَدْبَرْنَا عَنِ الأَمْرِ أَدْبَرَا
  وقال بعضُ بني أَسدٍ:
  لَهُمْ نَاسِئٌ يَمْشُونَ تَحْتَ لِوَائِهِ ... يُحِلُّ إِذا شَاءَ المشهُورَ وَيُحْرِمُ
  وقال عُمَيْرُ بنُ قَيْسِ بن جِذْلِ الطِّعَانِ:
  أَلَسْنَا النَّاسِئِينَ عَلَى مَعَدٍّ ... شُهُورَ الحِلّ نَجْعَلُهَا حَرَامَا
  وأَنْسَأَه الدَّيْنَ مِثْل البَيْعِ(١): أَخَّرَه به، أَي جَعَلَه له مُؤَخَّراً، كأَنه جَعَلَه له بِأَخَرَةٍ، واسمُ ذلك الدَّيْنِ النَّسِيئَةُ، وفي الحديث «إِنَّمَا الرِّبَا في النَّسِيئَة» هي البَيْعُ إِلى أَجَل مَعلومٍ، يريد أَنَّ بَيْعَ الرِّبَوِيَّاتِ بالتأْخيرِ من غير تَقَابُضٍ هو الرِّبَا وإِن كان بغير زيادةٍ. قال ابنُ الأَثيرِ: وهذا مَذْهَبُ ابنِ عَبَّاسٍ، كان يَرَى بَيْعَ الرِّبوِيّاتِ مُتَفَاضِلَةً مع التَّقَابُضِ جَائِزاً، وأَن الرِّبَا مَخصوصٌ بالنَّسيئَةِ.
  واسْتَنْسَأَهُ: سَأَلَه أَنْ يُنْسِئَه دَيْنَه أَي يُؤَخِّرَه إِلى مُدَّةٍ، أَنشَد ثَعْلَبٌ:
  قَدْ اسْتَنْسَأَتْ حَقِّي رَبِيعَةُ لِلْحَيَا ... وَعِنْدَ الحَيَا عَارٌ عَلَيْكَ عَظِيمُ
  وَإِنَّ قَضَاءَ المحْلِ أَهْوَنُ ضَيعَةً ... مِنَ المُخِّ(٢) فِي أَنْقَاءِ كُلِّ حَلِيمِ
  قال: هذا رجلٌ كان له عَلَى رَجُل بَعِيرٌ، فطلَب منه حَقَّه، قال؛ فَأَنْظِرْني حتى أُخْصِبَ، فقال: إِنْ أَعْطَيْتَني اليومَ جَمَلاً مَهزولاً كان لك خَيْراً من أَن تُعْطِيَه إِذا أَخصَبَتْ إِبلُك.
  وتقول اسْتَنْسَأْتُه الدَّيْنَ فَأَنْسَأَنِي ونَسَأْتُ عَنْهُ دَيْنَهُ: أَخَّرْتُه نَسَاءً بالمَدِّ.
  والمَنْسَأَة كمِكْنَسَة ومَرْتَبَة بالهمز وَبِتَرْكِ الهَمْزِ فيهما: العَصَا العظيمةُ التي تَكون مع الرَّاعي، قال أَبو طالِبٍ عمُّ النبيِّ ÷ في الهمز:
  أَمِن أَجْلِ حَبْلٍ لَا أَبَاكَ ضَرَبْتَهُ ... بِمِنْسَأَةٍ قَدْ جَرَّ حَبْلَك أَحْبُلُ(٣)
(١) اللسان: وأنسأه الدين والبيع.
(٢) عن اللسان، وبالأصل: المنح.
(٣) في الصحاح روي منصوباً (أحبلاً)، وقيل - كما في اللسان - ان -