تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل النون مع الهمزة

صفحة 263 - الجزء 1

  والنِّسْءُ بالكسر هو الرجلُ المُخالِطُ للناس ويقال: هو نِسْءُ نِسَاءٍ أَي حِدْثُهُنَّ وخِدْنُهُنَّ بكسر أَوَّلهما.

  والنَّسَاء كالسَّحاب: طُولُ العُمُر ونَسَأَ اللهُ فِي أَجَلِه: أَخَّره، وحكى ابنُ دُرَيْدٍ: أَمَدَّ له⁣(⁣١) في الأَجلِ: أَنْسَأَهُ فيه، قال ابنُ سِيدَه: ولا أَدري كيف هذا، والاسمُ النَّسَاءُ، وأَنْسَأَه اللهُ أَجَلَه، ونَسَأَه في أَجلِه بمعنًى، كما في الصحاح، وفي الحديث عن أَنس بن مالكٍ: «مَنْ أَحَبَّ أَن يُبْسَطَ له في رِزْقِه، ويُنْسَأَ في أَجَلِه، فَلْيَصِلْ رَحِمَه» النَّسْءُ: التأْخيرُ يكون في العُمُرِ والدَّيْنِ، ومنه الحديث «صِلَةُ الرَّحِم مَثْرَاةٌ في المالِ، مَنْسَأَةٌ في الأَثَر» هي مَفْعَلَة منه، أَي مَظِنَّةٌ له ومَوْضِع، وفي حديث ابنِ عَوْفٍ «وكان قد أُنْسِئ له في العُمُرِ» أَي أُخِّر، والنُّسْأَة، بالضمّ مثلُ الكُلْأَةِ: التأْخيرُ، وقال فَقِيهُ العربِ⁣(⁣٢): من سَرَّه النَّساءُ ولا نَساءَ، فليُخَفِّف الرِّداءَ، ولْيُبَاكِر الغَدَاءَ، وَلْيُكْرِ العَشَاءَ، ولْيُقِلَّ غِشْيَانَ النِّساءِ⁣(⁣٣)، أَي تأَخّر⁣(⁣٤) العُمَر والبَقاء ومَصْدَرُ نَسَأَ الرجلُ دَيْنَه أَخَّرَه، ويقال إِذا أَخَّرْتَ الرجل بِدَيْنِه قُلْتَ: أَنْسَأْتُه، فإِذا زِدْتَ⁣(⁣٥) في الأَجل زِيادَةً يقَعُ عليها تَأْخِيرٌ قُلْتَ: قد نَسَأْتُك في أَيَّامِك، ونَسَأْتُك في أَجَلِك، وكذلك تقول للرجل: نَسأَ الله في أَجَلِك، لأَن الأَجَل مَزِيدٌ فيه، ولذلك قيل للَّبَنِ النَّسِيءُ، لِزيادةِ الماءِ فيه.

  ونَسَأٌ كجَبَلٍ، مهموزٌ، كما صرَّح به الإِسنويُّ وابنُ خِلّكان والسُّبْكِي، وهي بلَدٌ بِخُرَاسانَ، منها صاحبُ السُّنَنِ الإِمامِ الحافظُ أَبو عَبد الرحمن أَحمد بن شُعَيْبٍ النَّسَائِي، تُوُفِّي سنة ٣٣٠.

  ومن النَّسْءِ بمعنى السِّمنِ كُل نَاسِئٍ مِن الحيوان: سَمِينٌ، وعبارة اللسان: وكُلُّ سَمِينٍ نَاسِئ، وهي أَوْلَى.

  وانْتَسَأَ القومُ إِذا تباعَدَوا، وفي حديث عُمرَ ¥: ارْمُوا فَإِنَّ الرَّمْيَ جَلَادَةٌ، وإِذا رَمَيْتُم فَانْتَسُوا عَن البُيُوتِ، أَي تَأَخَّرُوا، قال ابنُ الأَثير: يُرْوَى هكذا بلا همز، قال: والصوابُ انتسِئُوا، بالهمز، ويروى فَبَنِّسوا أَي تأَخَّروا، ويقال: بَنَّسْتُ، أَي تأَخَّرْت⁣(⁣٦) وانتسأَ البعيرُ في المَرْعَى أَي تَبَاعَدَ وانْتَسأْتُ عنه تَأَخَّرْتُ وتَباعَدْتُ. قال ابنُ مَنْظُور: وكذلك الإِبل إِذا تباعَدَتْ في المرعى، ويقال: إن لي عَنْكَ لَمُنْتَسَأً⁣(⁣٧) أَي مُنْتَأًى وسَعَةً.

  وقيل نُسِئَت المرأَةُ بالبناءِ للمفعول كعُنِيَ تُنْسَأُ نَسْأً وذلك عند أَوَّل حَبَلِها، وذلك إِذا تَأَخَّرَ حَيْضها عَنْ وَقْتِه المعتادِ لأَجْلِ الحَمْل فَرُجِيَ أَنَّها حُبْلَى، نقله السُّهَيْلي عن الخليل، وقيل: تأَخَّر حَيْضُها وَبَدَأَ حَمْلُها، وقال الأَصمعي: يقال للمرأَة أَوَّلَ ما تَحْمِل: قد نُسِئَتْ. ونُسِئَت المرأَةُ إِذا حَبِلَت، جُعِلَت زِيادَةُ الوَلَد فيها كزِيادة الماءِ في اللبن، وهي امرأَةٌ نَسْءٌ، والجمع أَنْسَاءٌ ونُسُوءٌ، بالضم، وقد يقال: نِسَاءٌ نَسْءٌ على الصِّفة بالمصدر لا نَسِيءٌ كأَمير، كذا ظاهرِ السِّياق، والصَّواب بالكسر والمدّ ووَهِمَ الجوهريُّ حيث جَوَّزه تبعاً لابنِ الأَعرابيّ، والمُصَنِّف في هذا التوهيم تابعٌ لابن بَرِّي، حيث قال: الذي قالَه ابنُ الأَعرابيّ خَطَأٌ، لأَن فِعِيلاً ليس في الكلام إِلا أَن يكون ثاني الكلمة أَحدَ حُرُوف الحَلْق، فالصواب الفتح.

  وقال كُراع في المُجَرَّد: مالَه نَسَأَه اللهُ، أَي أَخزاه، ويقال أَخَّره اللهُ، وإِذا أَخَّرَه اللهُ فقد أَخزاه.

  وأَنْسَأْتُ سُرْبَتِي: أَبْعَدْتُ مَذْهَبي، قال الشَّنْفَري يَصِف خُروجه وأَصحابه إِلى الغَزْوِ وأَنَّهم أَبْعَدُوا المَذْهَبَ:

  عَدَوْنَا مِنَ الوَادِي الَّذِي بَيْنَ مِشْعَلٍ ... وَبَيْنَ الحَشَا هَيْهَاتَ أَنْسَأْتُ سُرْبَتي

  ويروى: أَنْشأْتُ، بالشين المُعجمة، فالسُّرْبَة في رِوايته بالسين المُهمَلَة: [المَذْهب]⁣(⁣٨) وفي رِوَايته بالشين المُعجمة: الجَمَاعَةُ، وهي رِوَايَةُ الأَصمَعي والمُفَضَّل، والمعنى عندهما: أَظْهَرْت جَمَاعتي مِنْ مَكانٍ بَعيدٍ لِمَغْزًى بَعِيد. قال ابن بَرِّيّ: أَوْرَدَه الجوهريُّ: عَدَوْنَ مِنَ الوادِي.


(١) اللسان: «مدّ له».

(٢) في النهاية وحديث علي: «من سره النساء ولا نساء» وفي الصحاح: «ومنه قولهم».

(٣) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله الرداء المراد به الدين كما في المناوي، وفي محشى القاموس، وقال المجد: وفلان خفيف الرداء قليل العيال والدين اه. وقوله ليكر العشاء أي يؤخره من أكرى اه.

(٤) في النهاية: تأخير.

(٥) عن اللسان، وبالأصل: أردت.

(٦) بالأصل: «تنسوا ... تنست» وأثبتنا ما في النهاية.

(٧) عن الصحاح، والأصل «لمنتسأى».

(٨) زيادة عن اللسان.