تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل السين المهملة مع الراء

صفحة 502 - الجزء 6

  قال الأَزْهريّ: أَسحارُ الفلاةِ: أَطْرَافُهَا.

  ومن المَجَازِ: السُّحْرَةُ بالضَّمّ: السَّحَرُ، وقيل: الأَعْلَى منه. وقيل: هو [من] ثُلُثِ اللَّيْلِ الآخِرِ إِلى طُلوعِ الفَجْرِ.

  يقال: لَقِيتُه بسُحْرَةٍ ولَقِيتُه سُحْرَةً وسُحْرَةَ يا هذا، ولقيتهُ بالسَّحَرِ الأَعْلَى، ولقيته بأَعْلَى سَحَرَيْن، وأَعْلَى السَّحَرَيْن.

  قالوا: وأَمّا قَول العَجَّاجِ:

  غَدَا بأَعْلَى سَحَرٍ وأَحْرَسَا

  فهو خَطَأٌ، كان يَنْبَغِي له أَن يَقُول: بأَعْلَى سَحَرَيْنِ، لأَنه أَوَّلُ تَنَفُّسِ الصُّبْحِ، كما قال الراجز:

  مَرَّتْ بأَعْلَى سَحَرَيْنِ تَدْأَلُ

  وفي الأَسَاس: لَقِيتُه [سَحَراً وسُحرةً و]⁣(⁣١) بالسَّحَرِ، وفي أَعْلَى السَّحَرَيْن، وهما سَحَرٌ مع الصُّبح وسَحَرٌ قُبَيْلَهُ⁣(⁣٢). كما يقال الفَجْرَانِ: الكَاذِبُ والصَّادقُ.

  ويقال: لقِيتُه سَحَراً وسَحَرَ يا هَذَا، مَعْرِفَةً، لم تَصْرِفه إِذا كُنْتَ تُرِيدُ سَحَرَ لَيْلَتِك، لأَنَّه مَعْدُولٌ عن الأَلف واللام، وقد غَلَب عليه التَّعرِيفُ بغَيْر إِضافَةٍ ولا أَلفٍ ولام كما غَلَب ابنُ الزُّبَيْر على واحدٍ من بَنِيه. فإِن أَرَدْتَ سَحَر نَكِرةً صَرَفْتَه، وقلْتَ*: أَتَيْتُه بسَحَرٍ وبسُحْرَةٍ، كما قال الله تعالى: {إِلّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ}⁣(⁣٣) أَجْراه لأَنَّه نَكِرةٌ، كقولك: نَجَّيناهم بلَيْل. فإِذا أَلقَت العَربُ منه البَاءَ لم يُجْروه، فقالوا: فعَلْتُ هذا سَحَرَ يا فتَى، وكأَنَّهُم في تَرْكِهم إِجراءَه أَنَّ كلامَهم كان فيه بالأَلف واللام، فجَرَى على ذلك، فلَمَّا حُذِفَت منه الأَلف واللام وفيه نِيَّتُهما لم يُصْرَف. كلامُ العَرَبِ أَن يقولوا: ما زالَ عِنْدَنَا مُنْذُ السَّحَرِ، لا يكادُون يقولون غيرَه. وقال الزّجّاج، وهو قول سيبويه: سَحَرٌ إِذا كان نَكِرَةً يراد سَحَرٌ من الأَسحارِ انصرفَ. تقول: أَتيتُ زَيْداً سَحَراً من الأَسحارِ. فإِذا أَردْت سَحَرَ يَوْمِك قلت: أَتيتُه سَحَرَ، يا هذا، وأَتَيْتُه بسَحَرَ، يا هذا. قال الأَزهَرِيّ: والقِيَاس ما قاله سِيبَوَيْه. وتقول: سِرْ على فَرَسكِ سَحَرَ، يا فَتَى. فلا ترفَعْه، لأَنه ظَرْفٌ غَيْرُ مُتَمَكّن. وإِن سَمَّيت بسَحَر رَجُلاً أَو صَغَّرتَه انصرَف، لأَنه ليس على وَزْنِ المَعْدول كأُخَر. تقول: سِرْ على فَرَسك سُحَيْراً. وإِنّمَا لم تَرْفَعْه لأَن التَّصْغِير لم يُدْخِله في الظروف المُتَمَكّنة، كما أَدخلَه في الأَسماءِ المتَصرفة⁣(⁣٤).

  ومن المَجَاز: أَسْحَرَ الرّجلُ: سارَ فيه، أَي في السَّحَر، أَو نَهَض لَيسَ في ذلك الوقْتِ، كاسْتَحَرَ. وأَسْحَرَ أَيضاً: صَارَ فِيه، كاسْتَحَرَ وبَيْن سَارَ وصَارَ جِنَاسٌ مُحَرَّفٌ.

  والسُّحْرَة، بالضَّمّ، لُغَة في الصُّحْرَة، بالصَّاد، كالسَّحَر محرَّكةً، وهو بياضٌ يَعْلُو السَّوَادَ.

  ومن المَجَاز السِّحْرُ بالكَسْر: عَمَلٌ يُقربُ⁣(⁣٥) فيه إِلى الشيطان وبمَعُونة منه. وكُلُّ ما لَطُف مأْخَذُه ودَقَّ فهو سِحْرٌ. والجمْع أَسْحارٌ وسُحُورٌ. والفِعْلُ كمَنعَ. سَحَرَه يَسْحَره سَحْراً وسِحْراً، وسَحَّرَه. ورجَلٌ سَاحِرٌ من قَوْمٍ سَحَرَةٍ وسُحَّارٍ. وسَحَّارٌ من قوم سَحَّارِين، ولا يُكَسَّر. وفي كتاب «لَيْسَ» لابن خَالَوَيْه: ليس في كلام العرب فَعَل يَفْعَل فِعْلاً إِلا سَحَرَ يَسحَر سِحْراً. وزاد أَبو حَيَّان. فَعَل يَفْعَل فِعْلاً، لا ثالِثَ لَهُمَا، قاله شَيْخُنا.

  ومن المَجَاز. السِّحْر: البَيانُ في فِطْنَة، كما جاءَ في الحديث: «أَنَّ قيسَ بن عاصِمٍ المُنْقَرِيَّ، والزِّبْرِقَانَ بنَ بَدْرٍ، وعَمْرَو بنَ الأَهْتَمِ قَدِموا على النّبيّ ، فسأَل النَّبِيُّ عَمْراً عن الزِّبْرِقان، فأَثْنَى عليه خَيْراً، فلم يَرْضَ الزِّبْرقانُ بذلك، وقال: والله يا رَسُولَ الله إِنَّه ليَعْلَم أَنَّنِي أَفْضَلُ مِمَّا قال، ولكنه حَسَدَ مَكانِي منك، فأَثْنَى عليه عَمْرٌو شَرًّا، ثمّ قال: واللهِ ما كَذَبْتُ عليه في الأُولَى ولا في الآخِرَة، ولكنَّه أَرضانِي فقُلتُ بالرِّضا، ثم أَسْخَطَني فَقُلْتُ بالسَّخَطِ. فقال رسولُ الله : «إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْراً».

  قال أَبو عُبَيْد: كأَنّ مَعْنَاهُ - والله أَعلَمُ - أَنَّه يَبْلُغ من ثَنائِه⁣(⁣٦) يَمْدَحُ الإِنسانَ فيَصْدُقُ فيه حتّى يَصْرِفَ قُلُوبَ السَّامِعين إِلَيْهِ، أَي إِلى قَوْله، ويَذُمُّه فيَصْدُقُ فيه حتَّى يَصْرِفَ قُلوبَهُم أَيضاً عنه إِلى قَولِه الآخَرِ. فكأَنه [قد]⁣(⁣٧) سَحَر السامعينَ بذلك. انتهى.


(١) زيادة عن الأساس.

(٢) في الأساس: قبله.

(٨) (*) في القاموس: فقلتَ.

(٣) سورة القمر الآية ٣٤.

(٤) في الصحاح: المنصرفة.

(٥) الأصل والتهذيب، وفي اللسان: تُقرّبُ.

(٦) الأصل واللسان، وفي التهذيب: من ثنائه.

(٧) زيادة عن التهذيب واللسان.