فصل الصاد المهملة مع الراء
  هذا جَعَلَ في الآية تَقْدِيماً وتأْخيراً، كأَنه قال: خُذْ إِليكَ أَربعةً فصُرْهُنّ.
  قال اللِّحْيَانيّ: قال بعضُهم: معنَى صُرْهُنّ: وَجِّهْهُنّ، ومعنَى صِرْهُنّ: قَطِّعْهُنّ وشَقِّقْهُنّ. والمعروف أَنّهما لُغَتَان بمعنىً واحدٍ، وكلُّهم فسَّرُوا «فَصُرْهُنَّ»: أَمِلْهُنّ، والكَسْرُ فُسِّر بمعنَى قَطِّعْهُنّ.
  قال الزَّجّاجُ: ومن قرأَ: «فصِرْهُنّ إِليكَ» بالكسر، ففيه قولان: أَحدُهما أَنه بمعنَى صُرْهُنّ، يقال: صارَه يَصُورُه ويَصِيرُه، إِذا أَمالَه لُغتان(١).
  وقال المصنّف في البصائر: وقال بعضُهم(٢): صُرَّهُنَّ - بضمّ الصّادِ، وتشديد الراءِ وفتحها - من الصَّرّ، أَي الشَّدّ، قال: وقُرِئَ فصِرَّهُنّ، بكسر الصاد وفتح الراءِ المشددة، من الصَّرِيرِ، أَي الصوت، أَي صِحْ بِهِنَّ(٣). والصَّوْرُ، بالفَتْح: النَّخْلُ الصِّغَارُ، أَو المَجْتَمِعُ، وليس له واحدٌ من لفظه، قال أَبو عُبَيْدٍ.
  وقال شَمِرٌ: ج الصَّوْرِ صِيرانٌ، قال: ويقال لغير النَّخْل من الشَّجَر صَوْرٌ وصِيرَانٌ، وذَكَرَه كُثَيِّر عَزّةَ، فقال:
  أَأَلْحَيُّ أَم صِيرَانُ دَوْمٍ تَنَاوَحَتْ ... بتِرْيَمَ قَصْراً واسْتَحَنَّتْ شَمَالُهَا
  قلْت: وفي حديث بَدْرٍ: «أَنّ أَبَا سُفْيَانَ بَعَثَ رَجلَيْن من أَصحابِه، فأَحْرَقَا صَوْراً من صِيرَانِ العُرَيْضِ».
  والصَّوْرُ: شَطُّ النَّهْرِ، وهما صَوْرَانِ.
  والصَّوْرُ: أَصْلُ النَّخْلِ، قال:
  كأَنّ جِذْعاً خَارِجاً مِنْ صَوْرِهِ ... ما بَيْنَ أُذْنَيْهِ إِلى سَنَّوْرِهِ
  وقال ابن الأَعرابي: الصَّوْرَةُ: النَّخْلَة.
  والصَّوْرُ: قَلْعَةٌ وقال الصَّاغانيّ: قَرْيَة على جَبَلٍ قُرْبَ مارِدِينَ.
  والصَّوْرُ: اللِّيْثُ(٤)، بكسر اللام، وهو صفحَةُ العُنُق.
  وأَما قول الشاعر:
  كأَنَّ عُرْفاً مائِلاً من صَوْرِهِ
  فإِنّه يريد شَعرَ النّاصِيَةِ.
  وبَنُو صَوْرٍ، بالفتح: بَطْنٌ من بني هِزَّانَ بنِ يَقْدُمَ بنِ عَنَزَةَ.
  والصُّورُ، بالضم: القَرْنُ يُنْفَخُ فِيهِ، وحكى الجَوْهَرِيّ عن الكَلْبِيّ في قوله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ}(٥): [لا أدري ما الصُّورُ](٦).
  ويقال: هو جمْع صُورَة، مثل بُسْر وبُسْرَة، أَي يُنْفَخُ في صُوَرِ المَوْتَى للأَرواح، قال: وقَرَأَ الحسنُ «يوم يُنْفَخُ في الصُّوَرِ».
(١) كذا، ولم يذكر القول الثاني.
(٢) وهو قول أبي بكر النقاش كما في المفردات للراغب.
(٣) تعميماً للفائدة قال الفخر الرازي في تفسيره للآية: فأما قوله تعالى {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} ففيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ حمزة: فصرهن إليك بكسر الصاد، والباقون بضم الصاد، أما الضم ففيه قولان: (الأول): أن من صرت الشيء أصوره إِذا أملته إليه، ورجل أصور أي مائل العنق، ويقال: صار فلان إلى كذا إذا قال به ومال إليه، وعلى هذا التفسير يحصل في الكلام محذوف، كأنه قيل: أملهن إليك وقطعهن، {ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً}، فحذف الجملة التي هي قطعهن لدلالة الكلام عليه كقوله {أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ} على معنى: فضرب فانفلق لأن قوله (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) يدل على التقطيع ...
(والقول الثاني) وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد (صرهن إليك) معناه قطعهن، يقال: صار الشيء يصوره صوراً، إذ قطعه، قال رؤبة يصف خصماً ألد: صرناه بالحكم، أي قطعناه. وعلى هذا القول لا يحتاج إلى الإضمار، وأما قراءة حمزة بكسر الصاد فقد فسر هذه الكلمة أيضاً تارة بالإمالة، وأخرى بالتقطيع، أما الإمالة فقال الفراء: هذه لغة هذيل وسليم: صار بصيره إذا أماله، وقال الأخفش وغيره (صرهن) بكسر الصاد: قطعهن، يقال: صاره يصيره إذا قطعه، قال الفراء: أظن أن ذلك مقلوب من صرى يصرى إذا قطع فقدمت ياؤها، كما قالوا: عثا وعاث. قال المبرد: وهذا لا يصح.
(المسألة الثانية: أجمع أهل التفسير على أن المراد بالآية: قطعهن ... والمراد بصرهن إليك: الإمالة والتمرين على الإجابة، وهو قول أبي مسلم وأنكر القول بأن المراد قطعهن، واحتج عليه بوجوده: الأول: أن المشهور في اللغة في قوله {فَصُرْهُنَّ} أملهن وأما التقطيع والذبح فليس في الآية ما يدل عليه، والثاني: أنه لو كان المراد قطعهن لم يقل إليك، فإن ذلك لا يتعدى بإلى وإنما يتعدى بهذا الحرف إذا كان بمعنى الإمالة ... والثالث: أن الضمير في قوله {ثُمَّ ادْعُهُنَّ} عائد إليها لا إلى أجزائها.
(٤) في القاموس «الليث» وعلى هامشه عن نسخة أخرى: «واللَّيْتُ».
(٥) سورة الأنعام الآية ٧٣.
(٦) زيادة عن الصحاح.