فصل القاف مع الراء
  {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها}(١)، أَي لِمَكانٍ لا تُجَاوِزُه وَقْتاً ومَحَلاً، وقيل: لأَجَلٍ قُدِّر لها.
  وأَما قوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}(٢) قُرِئَ بالفَتْح، وبالكَسْر. قيل: من الوَقَارِ، وقيل: من القَرار.
  وفي حديثِ عُمَرَ: «كُنْتُ زَمِيلَهُ في غَزْوَةِ قَرْقَرَةِ الكُدْرِ».
  الكُدْرُ: ماءٌ لِبَنِي سُليْمٍ. والقَرْقَرُ: الأَرْضُ المستويةُ.
  وقِيلَ: إِنّ أَصْلَ الكُدْرِ طيْرٌ غُبْرٌ سُمِّيَ المَوْضِعُ أَو الماءُ بها.
  وسيأْتِي في الكافِ قَرِيباً إِنْ شاءَ الله تعالى.
  والقَرَارَةُ: مَوضعٌ بمكَّةَ معروفٌ.
  ويُقال: صارَ الأَمْرُ إِلى قَرَارِه، ومُسْتَقَرِّه، إِذا تَناهَى وثَبت.
  وفي حديثِ عُثْمَانَ: «أَقِرُّوا الأَنْفُسَ حَتَّى تَزْهَقَ» أَي سَكِّنوا الذَّبائحَ حَتَّى تُفَارِقَها أَرْواحُها ولا تُعْجِلُوا سَلْخَهَا ولا تَقْطِيعَها.
  وفي حديث البُرَاقِ: «أَنَّه اسْتصْعَبَ ثم ارْفضَّ وأَقرَّ»، أَي سَكَنَ وانْقادَ.
  وقال ابنُ الأَعرابِيّ: القَوَارِيرُ: شَجرٌ يُشْبِهُ الدُّلْب تُعْمَلُ منه الرِّحال والمَوَائِد. والعَرَبُ تُسمِّي المَرْأَةَ القَارُورَةَ، مَجازاً. ومنه الحديثُ: «رُوَيْدَكَ(٣)، رِفْقاً بالقَوَارِيرِ» شَبَّهَهُنَّ بها لضَعفِ عَزَائِمِهِنَّ وقِلَّةِ دَوامِهِنّ على العَهْدِ، والقَوَارِيرُ من الزُّجاج يُسرِعُ إِليهَا الكَسْرُ ولا تَقْبَلُ الجَبْرَ. فأَمَر أَنْجَشَةَ بالكَفِّ عن نَشِيدِه وحُدائه حِذَارَ صَبْوَتِهِنَّ إِلى ما يَسْمَعْنَ فيَقَعُ في قُلوبِهِنّ. وقيلَ: أَرادَ أَنَّ الإِبِلَ إِذا سَمِعَتِ الحُدَاءَ أَسْرَعَتْ في المَشْيِ واشتدَّت، فأَزْعَجَتِ الرّاكِبَ(٤) فأَتْعَبَتْه، فنَهاهُ عن ذلك لأَن النِّساءَ يَضْعُفْنَ عن شِدَّة الحَرَكَة. ورُوِيَ عن الحُطَيئة أَنّه قال: «الغِنَاءُ رُقْيَةُ الزِّنَى» وسَمعَ سُلَيْمَانُ بنُ عبدِ المَلِكِ غِناءَ راكبٍ لَيْلاً، وهو في مِضْرَب له، فبَعَثَ إِلَيْه من يُحْضِرُه، وأَمَرَ أَنْ يُخْصَى، وقال: ما تَسْمَعُ أُنْثَى غِنَاءَه إِلا صَبَتْ إِلَيْه. وقال: ما شَبَّهْتُه إِلّا بالفَحْلِ يُرْسَلُ في الإِبِلِ، يُهَدِّرُ فِيهِنَّ فيَضْبَعُهُنَّ.
  ومَقَرُّ الثَّوْبِ: طَيُّ كَسْرِه؛ عن ابنِ الأَعْرَابيّ.
  والقَرْقَرَةُ: دُعَاءُ الإِبِل؛ والإِنْقَاضُ: دُعَاءُ الشّاءِ والحَمِير.
  قال شِظَاظٌ:
  رُبَّ عَجُوزٍ من نُمَيْرٍ شَهْبَرَهْ ... عَلَّمْتُها الإِنْقاضَ بَعْدَ القَرْقَرَةْ(٥)
  أَي سَبَيْتُها فَحَوَّلْتُهَا إِلى ما لَمْ تعْرفْه.
  وجَعَلُوا حِكَايَةَ صَوْت الرِّيحِ قَرْقَاراً.
  والقَرْقَرِيرُ: شِقْشِقَةُ الفَحْلِ إِذا هَدَرَ.
  ورَجُلٌ قُرَاقِرِيٌّ، بالضَّمّ: جَهِيرُ الصَّوْتِ. قال:
  قَدْ كانَ هَدّراً قُرَاقِرِيَّا
  وقَرْقَرَ الشَّرَابُ في حَلْقَهِ: صَوَّتَ. وقَرْقَرَ بَطْنُه: صَوَّتَ من جُوعٍ أَو غَيْرِه. قال ابنُ القَطّاع في كِتَاب الأَبْنِيَة له: وكانَ أَبو خِرَاشِ الهُذَلِيّ من رِجَالِ قَوْمِه، فخرَج في سَفَرٍ له. فمَرَّ بامرأَة من العَرَب، ولم يُصِبْ قبلَ ذلك طَعاماً بثَلاث أَو أَرْبَع. فقال: يا رَبَّةَ البَيْتِ، هَلْ عِنْدَكِ من طَعَامٍ؟
  قالت: نَعَمْ. وأَتَتْهُ بعُمْرُوس فذَبَحَهُ وسَلَخَه، ثم حَنَّذَتْه وأَقْبَلَتْ به إِليه. فلما وَجَد رِيحَ الشِّوَاءِ قَرْقَرَ بَطْنُه، فقال: وإِنَّك لتُقَرْقِرُ مِنْ رائِحَةِ الطَّعَامِ، يا رَبَّةَ البَيت، هَلْ عِنْدَكم من صَبِرٍ؟ قالتْ: نعم، فما تَصْنَع به؟ قال: شيءٌ أَجِدُه في بَطْنِي. فَأَتَتْهُ بصَبرٍ فمَلأَ رَاحَتَه ثم اقْتَمَحْهُ وأَتْبَعه المَاءَ. ثم قال: أَنتِ الآنَ فَقَرْقِرِي إِذا وَجَدْتِ رائحةَ الطَّعَام. ثم ارْتَحَلَ ولَمْ يَأْكُل. فقالتْ له: يا عَبْدَ الله، هَلْ رَأَيْتَ قَبِيحاً؟ قال: لا والله إِلَّا حَسَناً جَمِيلاً. ثم أَنشأَ يقولُ:
  وإِنّي لأُثْوِي الجُوعَ حَتَّى يَمَلَّنِي ... جَنَانِي ولَمْ تَدْنَس ثِيابِي ولا جِرْمي
  وأَصْطَبِحُ المَاءَ القَرَاحَ وأَكْتَفِي ... إِذا الزَّادُ أَمْسَى للمُزَّلجِ ذا طَعْمِ
(١) سورة يس الآية ٣٨.
(٢) سورة الأحزاب الآية ٣٣ وانظر في التهذيب بحثاً مفصلا حول أوجه قراءتها.
(٣) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: ومنه الحديث: رويدك الخ عبارة اللسان: وفي الحديث: أن النبي ص قال لأنجشة وهو يحدو بالنساء: رفقاً بالقوارير، أراد بالقوارير النساء، شبههن بالقوارير لضعف عزائمهن الخ اهـ» وانظر النهاية.
(٤) عن النهاية، وبالأصل «الركب».
(٥) قال ابن الأعرابي: رواه عنه في التهذيب: الإنقاض: زجر القعود، والقرقرة: زجر المُسِنّ.