تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[وتر]:

صفحة 580 - الجزء 7

  القَولين قَرِيبٌ من الآخَر. وفي الحديث: «مَنْ فاتَتْه صَلاةُ العَصْرِ فكأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَه ومَالَه» أَي نُقِص أَهلَه ومالَه، وبَقِيَ فَرْداً، يقال، وَتَرْتُه، إِذا نَقَصْتَه، فكأَنّك جَعلْته وِتْراً بعد أَن كانَ كَثِيراً. وقيل: هو من الوَتْرِ: الجِنَاية التي يَجْنِيها الرجلُ على غيره من قَتْل أَو نَهْبٍ أَو سَبْيٍ، فشَبَّه ما يَلحق مَنْ فاتتْه صَلَاةٌ بمن قُتِلَ حَمِيمُه أَو سُلِب أَهلَه ومالَه. ويُروَى بنصْب الأَهل ورَفْعِه. فمَنْ نَصَب جعله مَفْعُولاً ثانِياً لِوُتِر وأَضمر فهيا مفعولا لم يسمّ فاعله عائداً إِلى الذي فاتته الصّلاة، ومَنْ رفع لم يُضْمر وأَقامَ الأَهْلَ مُقامَ ما لم يُسَمَّ فاعلُه، لأَنّهم المصابُون المأْخوذون، فمَن رَدَّ النّقصَ إِلى الرجُل نَصبهما، ومن رَدَّه إِلى الأَهل والمَال رَفَعَهُمَا. وفي حَدِيث آخَر: «مَنْ جَلَس مَجْلِساً لم يُذْكَرِ الله فيه كان عليه تِرَةً» أَي نَقْصاً، والهاءُ فيه عِوَضٌ عن⁣(⁣١) الواو المحذوفة، وقيل: أَراد بها هنا التَّبِعةَ.

  والتَّوَاتُر: التَّتَابُع، تَتَابُع الأَشياءِ، أَو مع فَتَرَاتٍ وبينها فَجَوَاتٌ. وقال اللّحيانيّ: تَوَاتَرَت الإِبلُ والقَطَا وكلُّ شيْءٍ، إِذا جاءَ بعضُه في إِثر بعضٍ، ولم تَجئْ مُصْطَفَّةً. وقال حُمَيْد بن ثَوْر:

  قَرينةُ سَبْعٍ إِنْ تَواتَرْن مَرَّةً ... ضَرَبْنَ وصَفَّتْ أَرْؤُسٌ وجُنُوبُ

  وليسَت المُتواتِرَةُ كالمُتَدارِكَة والمُتَتابِعَة. وقال مَرّةً: المُتَوَاتِر: الشّيءُ يكون هُنَيْهَةً ثمّ يَجيءُ الآخَرُ، فإِذا تَتابَعت فلَيْسَت مُتواتِرَةً، إِنّمَا هي مُتَدَارِكَة ومُتَتابِعَة، على ما تقدّم.

  وقال ابن الأَعرابيّ: تَرَى يَتْرِي، إِذا تَرَاخَى في العَمَل فعَمِل شَيْئاً بعد شيْءٍ، وقال الأصمعيُّ: وَاتَرْتُ الخَبَرَ: أَتْبَعْتُ وبين الخَبَرَيْن هُنَيْهَةٌ. وقال غيرُه: المُوَاتَرَةُ: المُتَابَعَةُ، وأَصلُ هذا كلّه من الوَتْر وهو الفَرْدُ، وهو أَنِّي جَعَلتُ كلَّ وَاحدٍ بعدَ صاحبِه فَرْداً فَرْداً.

  والخَبَرُ المُتَوَاتِرُ: أَن يُحَدِّثَه وَاحدٌ بعد⁣(⁣٢) وَاحِدٍ، وكذلك خَبَرُ الوَاحدِ مثْلُ المُتَواتِر.

  والمُتَوَاتِرُ: كُلُّ قافيَة فيها حَرْفٌ مُتحرِّكٌ بَيْنَ حَرْفَيْن ساكنَيْن، كمَفَاعيلُنْ وفاعلاتُنْ وفَعلاتُنْ ومَفْعُولُنْ وفَعْلُنْ وفَلْ إِذا اعتمد على حرْف ساكِن، نحو فَعُولُنْ فَلْ، وإِيّاه عنَى أُبو الأَسود بقوله:

  وقافِيَةٍ حَذَّاءَ سَهْلٍ رَوِيُّها ... كسَرْدٍ الصَّنَاع ليس فيها تَوَاتُرُ

  وَأَوْتَرَ⁣(⁣٣) بَيْنَ أَخْبَاره وكُتُبِه، ووَاتَرَه، هكذا في النُّسخ وصوابه وَاتَرَهَا مُوَاتَرَةً ووِتَاراً، بالكسر، تَابَعَ من غير تَوقُّفٍ ولا فُتُور. والمُوَاتَرَةُ بين كلّ كِتَابَيْن فَتْرةٌ قليلة، أَوْ لا تكون المُوَاتَرَةُ بين الأَشْيَاءِ إِلّا إِذا وَقَعَت فيها⁣(⁣٤) فَتْرَةٌ، وإِلّا فهي مُدَارَكة ومُواصَلة، وأَصْل ذلك كلّه من الوِتْر، ومُوَاتَرَةُ الصَّوْم: أَنْ تَصُوم يَوْماً وتُفْطِرَ يَوْماً أَو يَوْمَيْن وتَأْتيَ به وِتْراً وِتْراً قال: ولا يُرَادُ به المُوَاصَلَةُ لأَنّه مأْخُوذٌ من الوِتْر الذي هو الفَرْد، ومنه حَديثُ أَبي هُرَيْرَة: «لا بَأْسَ أَنْ يُوَاتِرَ قَضاءَ رَمضانَ» أَي يُفَرِّقَهُ يوماً ويُفْطِرَ يوماً، ولا يَلزمُه التتابُعُ فيه، فيَقْضِيه وِتْراً وِتْراً. وكَذلك مُوَاتَرَةُ الكُتُب، يقال: وَاتَرْتُ الكُتُبَ، فتَوَاتَرَت، أَي جاءَت بعضُهَا في أَثْر بعضٍ وِتْراً وِتْراً من غير أَن تَنْقَطِع. وفي حديث الدُّعاءِ: «أَلِّفْ جَمْعَهُمْ، ووَاتِرْ بينَ مِيَرِهم».

  أَي لا تَقْطَع المِيرَة عنهم، واجعَلْهَا تَصِل إِليهم مَرّةً بعدَ مَرَّةٍ.

  ويقال: جاءُوا تَتْرَى، ويُنَوَّن، وأَصْلُهَا وَتْرَى: مُتَواتِرين. في الصّحاح تَتْرَى فيها لغتانِ، تُنَوَّنُ ولا تُنَوَّن، مثّل عَلْقَى، فَمَنْ تَركَ صَرْفَهَا في المعرفة جَعَل أَلِفَها أَلِفَ تأْنيثٍ، وهو أَجْوَد، وأَصلُها وَتْرَى من الوِتْرِ وهو الفَرْد.

  وتَتْرا⁣(⁣٥)، أَي وَاحِداً بعدَ وَاحدٍ. ومَنْ نَوَّنَهَا جَعلَها مُلْحَقَةً، انتهى. وفي المحكم: التاءُ مبدلَةٌ من الوَاو، قال: وليس هذا البَدلُ قِياساً، إِنّما هو في أَشياءَ معلومةٍ، ثمّ قال. ومن العرب مَنْ يُنَوِّنها فيجعل أَلفَها للإلْحاق بمنزلةِ أَرْطَى ومِعْزَى، ومنهم من لا يَصرف، يجعل أَلِفَها للتأَنيثِ بمنزلة أَلِف سَكْرَى وغَضْبَى. وفي التهذيب: قرأَ أَبو عَمْرو وابنُ كَثير «تَتْرًى» منوَّنَةً، وَوقَفَا بالأَلف. وقرأَ سائرُ القُرّاءِ تَتْرا غير منونّة. قال الفرّاءُ: وأَكثرُ العرب على تَرْكِ تَنْوينِ تَتْرَى، لأَنها بمنزِلة تَقْوَى، ومنهم من نَوَّنَ فيها وجعلَها أَلِفاً كأَلِف الإِعْرَاب. وقال محمّد بن سلام: سأَلتُ يُونُسَ عن قَوْله


(١) النهاية واللسان «من».

(٢) اللسان: «عن».

(٣) في القاموس: «وواتر بين أخباره وواتره» وفي اللسان فكالأصل.

(٤) [في القاموس] واللسان: بينها.

(٥) يريد ما جاء في قوله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا}.