تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[حيس]:

صفحة 255 - الجزء 8

  [حيس]: الحَيْسُ: الخَلْط و، منه سُمِّيَ الحَيْسُ، وهو تَمْرٌ يُخْلَط بسَمْنٍ وأَقِطٍ فيُعْجَنُ. وفي اللِّسَانِ: هو التَّمْرُ البَرْنِيُّ والأَقِطُ يُدَقّانِ ويُعْجَنانِ بالسَّمْنِ عَجْناً شَدِيداً، ثمَّ يُنْدَرُ منه نَوَاهُ. وفي اللِّسَانِ حَتّى يَنْدُرَ النَّوَى عنه⁣(⁣١) نَواةً ثمّ يُسَوَّى كالثَّرِيدِ، وهي الوَطِيئَة⁣(⁣٢) ورُبُّما جُعِلَ فيه سَوِيقٌ أَو فَتِيتٌ عِوَض الأَقِطِ⁣(⁣٣)، وقال ابن وَضّاحٍ الأَنْدَلسِيُّ: الحَيْسُ: هو التَّمْرُ يُنْزَع نَوَاه ويُخْلَط بالسَّوِيقِ، وقال شَيْخنَا: وهذا لا يُعْرَف. قلْت: أَي لنَقْصِ أَجْزَائِه، وقال الآبِيّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ: قالَ عِياضٌ: قالَ الهَرَوِيُّ: الحَيْسُ: ثَرِيدَةٌ مِنْ أَخْلاطٍ.

  وقد حاسَهُ يَحِيسُه: اتَّخَذَهُ، قال الرّاجِز:

  التَّمْرُ والسَّمْن مَعاً ثُمَّ الأَقِطْ ... الحَيْسُ إِلاّ أَنَّهُ لم يَخْتَلِطْ

  قال شيخنَا: هذا البَيْت مَشْهُورٌ تُنْشِدُه الفقَهَاءُ أَو المُحدِّثون، ومفهومُه أَنّ هذه الأَجْزَاءَ إِذا خُلِطَتْ لا تَكون حَيساً، وهو ضِدُّ المرَادِ، وقد اسْتَشْكَلَه الطيبيُّ أَيْضاً في شَرْح الشِّفَاءِ وأَبْقَاه على حالِه، والظاهِر أَنّه يُرِيدُ: إِذا حَضَرَتْ هذِه الأَشْيَاءُ الثَّلاثَةُ فهي حَيْسٌ، بالقُوَّةِ، لوجُودِ مادَّتِه، وإِنْ لم يَحْصُلْ خَلْطٌ فيما عَناه، وقد أَشارَ إِليه شيْخنَا الزُّرْقَانِيّ في شَرْحِ المَوَاهِبِ وإِنْ لم يُحَرِّرْهُ تَحْرِيراً شافِياً، وعَرضْتُه كثيراً على شيُوخِنَا فلم يَظْهَرْ فيه شيْءٌ، حَتّى فَتَحَ الله تَعَالَى بما تَقَدَّمَ. انْتَهَى.

  وقالَ هُنَيُّ بن أَحْمَرَ الكِنَانِيُّ، وقِيلَ هو لزَرَافَةَ البَاهِلِيِّ:

  هَلْ فِي القَضِيَّةِ أَنْ إِذا اسْتغْنَيْتمُ ... وأَمِنْتمُ فأَنا البَعِيدُ الأَجْنَبُ

  وإِذا الكَتَائِبُ بالشَّدائِدِ مَرَّةً ... حَجَرَتْكمُ فأَنَا الحَبِيبُ الأَقْرَبُ

  ولِجُنْدَبٍ⁣(⁣٤) سَهْلُ البِلادِ وعَذْبُهَا ... ولِيَ المِلاحُ وحَزْنُهُنَّ المُجْدِبُ

  وإِذا تَكون كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا ... وإِذا يُحاسُ الحَيْسُ يُدْعَى جُنْدَبُ

  عَجَباً لِتِلْكَ قَضِيَّةً وإِقَامَتِي ... فيكمْ على تِلْك القَضِيَّةِ أَعْجَبُ

  هذا لَعَمْرُكم الصَّغَارُ بعَيْنِه ... لا أُمَّ لِي إِنْ كانَ ذاك ولا أَبُ

  والحَيْسُ: الأَمْرُ الرَّدِيءُ الغَيْرُ المُحْكَمِ، ومنه المَثَل «عَاد الحَيْسُ يُحاسُ»، أَي عادَ الفاسِدُ يُفْسَدُ، ومعناه: أَنْ تَقولَ لصاحِبِكَ: إِنّ هذا الأَمْرَ حَيْسٌ: [أَي]⁣(⁣٥) لَيْسَ بمُحْكمٍ ولا جيِّدٍ، وهو رَدِيءٌ، أَنشَدَ شَمِرٌ قوله⁣(⁣٦):

  تَعْيِبِينَ أَمْراً ثمّ تَأْتِينَ مِثْلَه ... لقَدْ حاسَ هذا الأَمْرَ عِنْدَكِ حائِسُ

  وأَصْلُه أَنَّ امْرَأَةً وَجَدَتْ رَجُلاً على فُجُورٍ فعَيَّرَتْه فجُوره، فلم يَلْبَثْ أَنْ وَجَدَهَا الرَّجُل على مِثْلِ ذلِكَ، أَو أَنَّ رَجلاً أُمِرَ بأَمْرِ فَلَمْ يُحْكِمْه، فذَمَّه آخَر، وقامَ ليُحْكِمَهُ، فجاءَ بشَرٍّ منهُ، فقالَ الآمِرُ: عادَ الحَيْسُ يُحَاسُ. والقَوْلانِ ذَكَرَهُمَا الصّاغَانِيُّ هُنا، وفَرَّقَهُمَا صاحِبُ اللِّسَانِ في المادَّتَيْنِ «ح وس» و «ح ي س» وزادَ قولَ الشّاعِرِ أَنْشَدَه ابن الأَعْرابِيِّ:

  عَصَت سَجَاحِ شَبَثاً وقَيْسا ... ولَقِيَتْ من النِّكاحِ وَيْسَا

  قَدْ حِيسَ هذا الدِّينُ عِنْدِي حَيْسَا

  أَي خُلِطَ كما يُخْلَطُ الحَيْسُ، وقال مَرَّةً: أَي فُرغَ منه كما يُفْرَغُ من الحَيْسِ.

  ورَجُلٌ مَحْيُوسٌ: وَلَدَتْهُ الإِماءُ من قِبَلِ أَبِيهِ وأُمِّهِ، وقال ابنُ سِيده: هو الَّذِي أَحْدَقتْ به الإِماءُ من كُلِّ جِهَةٍ⁣(⁣٧)، يُشَبَّهُ بالحيْسِ، وهو يُخْلَطُ خَلْطاً شَدِيداً، وقِيلَ: إِذَا كانَتْ أُمُّه وجَدَّتُه أَمَتيْنِ، قاله أَبو الهَيْثَمِ، وفي حديث آلِ البيْتِ: «لا يُحِبُّنَا الأَكَعُّ ولا المَحْيُوسُ» وفي روايةٍ: اللُّكَعُ⁣(⁣٨)، قال ابنُ الأَثِيرِ: المَحْيُوسُ: الَّذِي أَبُوه عبْدٌ وأُمُّه أَمةٌ، كأَنَّهُ مَأْخُوذٌ من الحَيْسِ.


(١) اللسان: منه.

(٢) عن التهذيب، وبالأصل اللسان: «الوطبة» تحريف.

(٣) عبارة التهذيب: «إلاّ أن الحيس ربما جعل فيه السويق وأما في الوطيئة فلا».

(٤) هو جندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيئ. انظر الأبيات في معجم البلدان «أجأ» وروايتها فيه باختلاف، ونسبها إلى عمرو بن الغوث بن طيئ وانظر فيه سبب إنشاده لها.

(٥) زيادة عن التهذيب.

(٦) بالأصل: وأنشد لشمر، وما أثبت عن التهذيب.

(٧) اللسان: من كل وجه.

(٨) وهي رواية النهاية واللسان.