تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الكاف مع السين

صفحة 444 - الجزء 8

  حَتَّى كأَنَّ عِرَاصَ الدَّار أَرْدِيَةٌ ... مِنَ التَّجَاوِيزِ أَو كُرَّاسُ أَسْفَارِ

  قالَ شَيْخُنَا: إِنْ أَرادَ بقَوْله: وَاحِدَةُ الكُرَّاسِ: أَنْثَاه، فظاهرٌ، وإِنْ أَرادَ: أَنَّها وَاحدَةٌ، والكُرّاسُ جَمْعٌ أَو اسمُ جِنْسٍ جَمْعيٍّ، فليسَ كذلكَ. انتهى. ولكنّ عَطْفَ الكَرَاريس عليه لا يُسَاعدُ ما حَقَّقه شيخُنَا، فتأَمَّلْ وهو عِبَارَةُ الصّحاح.

  والكُرَّاسَة: الجُزْءُ من الصَّحيفَة، يُقَال: قَرَأْتُ كُرَّاسَةً من كتاب سيبَوَيْه، وهذا الكِتَابُ عِدَّةُ كَرَاريسَ، وتَقُولُ: التّاجرُ مَجْدُه في كِيسِه، والعالِمُ مَجْدُه في كَرَارِيسه.

  وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ كَرِسَ الرَّجُلُ، إِذا ازْدَحَم عِلْمُه على قَلْبه، والكُرَّاسَةُ من الكُتُب سُمِّيَتْ بذلك لتَكَرُّسِهَا.

  والكِرْيَاسُ: الكَنِيفُ المُشْرِفُ المُعَلَّقُ في أَعْلَى السَّطْحِ بقَنَاةٍ من الأَرْض، وفي بَعْض الأُصُول: «إِلى الأَرْض» ومن حَديث أَبي أَيُّوبَ ¥، أَنّه قالَ: «ما أَدْرِي ما أَصْنَعُ بهذه الكَرَايِيس، وقد نَهَى رَسُولُ الله أَنْ تُسْتَقْبَلَ القِبْلَةُ بغائطٍ أَوْ بَوْلٍ» يَعْني الكُنُفَ⁣(⁣١)، وفَسَّره أَبو عُبَيْدٍ بما تَقَدَّم، وزادَ: فإِذا كانَ أَسْفَلَ فليس بكِرْيَاسٍ، فِعْيَالٌ من الكِرْس للبَوْل والبَعَرِ المُتَلَبِّدِ، قال الأَزْهَريُّ: وسُمِّيَ كِرْيَاساً لمَا يَعْلَقُ به منَ الأَقْذَار⁣(⁣٢)، فيَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضاً ويَتَكَرَّسُ مثْلَ كِرْسِ الدِّمْن. وبهذا ظَهَرَ أَنَّ مَا نَقَلَه شيخُنَا عَن شَرْح المُوَطَّإِ أَنَّ مَرَاحِيضَ الغُرَف هي الكَرَابيس، واحدُهَا: كِرْباسٌ، بالموحَّدة، غَلَطٌ ظاهرٌ، وَنَقَلَ عن الشَّيْخ سالِمٍ في شَرح المُخْتَصَر: أَنَّ الكِرْيَاسَ، بالتَّحْتيَّة: الكَنِيفُ، وإِنْ كَانَ عَلَى سَطْحٍ، وأَمَّا بالمُوَحَّدَة فثِيَابٌ، قالَ: قلت: الصَّوابُ أَنَّه وَرَد بهما، والظّاهرُ أَنَّه ليسَ بعَرَبِيّ وإِن كَثُرَ نَاقِلُوه، وتَرَكَه المصنِّفُ تَقْصِيراً. انتَهَى. وهذا غَرِيبٌ، كيفَ يُصَوِّبُ وُرُودَه بالمُوَحَّدة، وهو تَصحيفٌ منه، وكونُه ليسَ بعَرَبِيّ أَيضاً غيرُ ظاهِرٍ، فقد تقدَّم عن الأَزْهَرِيِّ أَنَّه فِعْيَالٌ مِن الكِرْسِ.

  وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يُقَال: وَقَفْتُ على كِرْسٍ من [أَكراسِ]⁣(⁣٣) الدَّارِ، وهو ما تَكَرَّسَ مِن دِمْنَتِهَا: أَي تَلَبَّد، وأَكْرَسَت الدَّارُ، ومنه قَولُكَ: لِدَارِه كِرْيَاسٌ مُعَلَّقٌ، فَهَذَا يؤيِّدُ كَوْنَ اللَّفْظ عَرَبيّاً، فتَأَمَّلْ.

  وأَكْرَسَت الدّابَّةُ: صارَتْ ذَاتَ كِرْسٍ، وهو ما تَلَبَّدَ من البَعرِ والبَوْلِ في أَذْنَابِهَا.

  والقِلَادَةُ المُكْرَسَةُ والمُكَرَّسَةُ، كمُكْرَمَةٍ ومُعَظَّمَةٍ: أَنْ يُنْظَمَ اللُّؤْلُؤُ والخَرَزُ في خَيْطٍ، هكذا في سائر النُّسَخ، والصَّوابُ: في خَيْطَيْن، كما هُوَ في نَصِّ التَّكْملَة، ثمَّ يُضَمَّا، هكذا في سائر النُّسَخ، والصَّوَابُ: ثمّ يُضَمّان، بفُصُولٍ بخَرَزٍ كِبَارٍ، نقَلَه الصّاغَانيُّ.

  والمُكَرَّسُ، كمُعَظَّمٍ: التّارُّ القَصيرُ الكَثيرُ اللَّحْمِ، عن ابنِ عَبّادٍ.

  والتَّكْرِيسُ: تَأْسِيسُ البِنَاءِ، وقد كَرَّسَه.

  وانْكَرَسَ عليه: انْكَبَّ.

  وانْكَرَس في الشَّيْءِ، إِذا دَخَلَ فيه واسْتَتَر مُنْكَبًّا، قالَ ذُو الرُّمَّة، يصفُ الثَّوْرَ:

  إِذَا أَرَادَ انْكرَاساً فيه عَنَّ لَهُ ... دُونَ الأَرُومَة منْ أَطْنَابِهَا طُنُبُ

  * وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

  تَكَرَّسَ الشَّيْءُ، وتَكَارَسَ: تَرَاكَمَ وتَلازَبَ.

  وتَكَرَّسَ أُسُّ البِنَاءِ: صَلُبَ واشْتَدَّ.

  والكِرْسُ، كِرْسُ البِنَاءِ وكِرْسُ الحَوْض حَيْثُ تَقِفُ النَّعَمُ فيَتَلَبَّدُ، وكذلكَ كِرْسُ الدِّمْنَة إِذا تَلَبَّدَتْ فلَزِقَتْ في الأَرْض.

  ويُقَالُ: أَكْرَسَت الدّارُ.

  ورَسْمٌ مُكْرَسٌ، كمُكْرَمٍ، ومُكْرِسٌ: كَرِسٌ بعَرَتْ فيه الإِبلُ وبَوَّلَتْ، فرَكِبَ بَعْضُهُ بَعْضاً، قيل: ومنه سُمِّيَت الكُرَّاسَةُ، قال العَجّاجُ:

  يا صاح هَلْ تَعْرفُ رَسْماً مُكْرَسَا ... قالَ: نَعَمْ أَعْرِفُه وأَبْلَسَا

  وانْحَلَبَتْ عَيْنَاهُ منْ فَرْطِ الأَسَى

  وأَكْرَسَ المَكَانُ: صار، فيه كِرْسٌ، قال أَبُو مُحَمَّدٍ الحَذْلَميُّ:

  في عَطَنٍ أَكْرَسَ مِن أَصْرَامِهَا


(١) عن النهاية وبالأصل «الكنيف».

(٢) التهذيب: من الأقذار والعذرة.

(٣) زيادة عن الأساس.