تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل النون مع السين

صفحة 19 - الجزء 9

  وبينَ طَرَابُلُسَ ثلاثَةُ أَيّامٍ، وإِلى القَيْروَانِ سِتَّةُ أَيّامٍ، وفي هذا الجبلِ نَخْلٌ وزَيْتُونٌ وفَواكِهُ، وافْتَتَح عَمْرُو بن العاصِ، رضي الله تعالى عنه، نَفُوسَةَ، وكانُوا نَصَارَى.

  نَقَلَه ياقُوت.

  وأَنْفَسَهُ الشَّيْءُ: أَعْجَبَهُ بنَفْسِه، ورَغَّبَه فيها، وقال ابنُ القَطّاعِ: صار نَفِيساً عِنْدَه، ومنه حَدِيثُ إِسماعِيلَ #: «أَنَّهُ تَعَلَّم العَرَبِيَّةَ وأَنْفُسَهُم». وأَنْفَسَه في الأَمْرِ: رَغَّبَهُ فيه ويُقَالُ منه: مالٌ مُنْفِسٌ ومُنْفَسٌ، كمُحْسِنٍ ومُكْرَمٍ، الأَخِيرُ عن الفَرّاءِ: أَي نَفِيسٌ، وقيلَ: كَثِيرٌ، وقيل: خَطيرٌ، وعَمَّه اللَّحْيَانِيُّ، فقال: كُلُّ شيْءٍ له خَطَرٌ فهو نَفِيسٌ ومُنْفِسٌ.

  ومِن المَجَازِ: تَنَفَّسَ الصُّبْحُ أَي تَبَلَّجَ وامتدَّ حتى يَصِيرَ نَهَاراً بَيِّناً⁣(⁣١)، وقال الفَرّاءُ في قولِه تعالَى {وَالصُّبْحِ إِذا} تَنَفَّسَ⁣(⁣٢) قال: إِذا ارْتَفَع النَّهَارُ حتَّى يَصِيرَ نَهَاراً بَيِّناً.

  و قال مُجَاهِدٌ: {إِذا} تَنَفَّسَ، إِذا طَلَع، وقال الأَخْفَشُ: إِذا أَضاءَ، وقال غيرُه: إِذا انْشَقَّ الفَجْرُ وَانْفَلَق حتَّى يَتَبَيَّنَ منه⁣(⁣٣).

  ومِن المَجَاز: تَنَفَّسَتِ القَوْسُ: تَصَدَّعَتْ، ونَفَّسَها هُو: صَدَّعَها، عن كُرَاع، وإِنَّمَا يَتَنَفَّسُ مِنْهَا العِيدَانُ الّتِي لم تُغْلَقْ، وهو خَيْرُ القِسِيِّ، وأَمّا الفِلْقَةُ فلا تَنَفَّسُ. يُقَالُ للنَّهَارِ إِذا زاد: تَنَفَّسَ وكذلك المَوْجُ إِذا نَضَحَ الماءَ وهو مَجَازٌ.

  وتَنَفَّس في الإِناءِ: شَرِب مِن غيرِ أَنْ يُبِينَه عن فِيهِ، وهو مَكرُوهٌ.

  وتَنَفَّسَ أَيْضاً: شَرِبَ من الإِنَاءِ بثَلاثَةِ أَنْفَاس، فأَبَانَهُ⁣(⁣٤) عن فِيهِ في كُلِّ نَفَسٍ، فهو، ضِدٌّ، وفي الحَدِيث «أَنَّه كان يَتَنَفَّسُ في الإِناءِ ثَلاثاً» و في حَدِيثٍ آخَرَ: «أَنه نَهَى عَنِ التَّنَفُّسِ في الإِناءِ، قالَ الأَزْهَرِيّ: قال بعضُهُم: الحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ، والتَّنفُّسُ له مَعْنَيَانِ، فَذَكَرهما مِثْلَ ما ذَكَرَ المصنِّفُ. ونَافَسَ فيه مُنَافَسَةٌ ونِفَاساً، إِذا رَغِبَ فيه على وَجْهِ المُباراةِ في الكَرَم، كَتَتَنافَسَ، والمُنَافَسَةُ والتَّنَافُسُ: الرَّغْبَة فِي الشَّيْءِ والانْفرَادُ به، وهو منَ الشَّيْءِ النَّفِيس الجَيِّدِ في نَوعه، وقولُه ø: {وَفِي ذلِكَ} فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ⁣(⁣٥) أَي فلْيَتَراغَب المُتَرَاغبُونَ.

  * وممَّا يُسْتَدْرَك عليه:

  قال ابنُ خالَوَيْه: النَّفْسُ: الأَخُ، قال ابنُ بَرّيّ: وشاهدُه قولُه تَعَالَى: {فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى} أَنْفُسِكُمْ⁣(⁣٦) قلتُ: ويَقْرُبُ من ذلكَ ما فَسَّر به ابنُ عَرَفَةَ قولَه تعالَى: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ} بِأَنْفُسِهِمْ {خَيْراً}⁣(⁣٧) أَي بأَهْل الإِيمان وأَهْل شَرِيعَتهم.

  والنَّفْسُ: الإِنْسَانُ جَميعُه، رُوحُه وجَسَدُه، كقولهم: عنْدي ثَلَاثَةُ أَنْفُس، وكقوله تَعَالَى: {أَنْ تَقُولَ} نَفْسٌ {يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ}⁣(⁣٨) قَالَ السُّهَيْليُّ في الرَّوْض: وإِنَّمَا اتُّسِعَ في النَّفْسِ وعُبِّرَ بهَا عن الجُمْلَة، لغَلَبَةِ أَوْصافِ الجَسَد على الرُّوح حَتَّى صارَ يُسَمَّى نَفْساً، وطَرَأَ عليه هذا الاسْمُ بسَبَبِ الجَسَد، كما يَطْرَأُ على المَاءِ في الشَّجَر أَسْمَاءٌ على حَسَب اخْتِلافِ أَنواع الشَّجَر، من حُلْوٍ وحامضٍ ومُرٍّ وحِرِّيفٍ، وغير ذلك. انتهى.

  وقال اللِّحْيَانِيُّ: الغَرَبُ تقولُ: رَأَيْتُ نَفْساً وَاحِدَةً، فَتُؤنَّثُ، وكذلك رأَيتُ نَفْسَيْن، فإِذا قالوا: رأَيْتُ ثَلاثَةَ أَنْفُسٍ وأَربَعَةَ أَنْفُسٍ، ذَكَّرُوا، وكذلك جميعُ العَدَد، قال: وقد يكونُ التَّذْكِيرُ في الواحِدِ والاثْنَيْنِ، والتَّأْنِيثُ في الجَمْعِ، قال: وحُكِيَ جميعُ ذلِك عن الكِسَائِيّ. وقال سِيبَوَيْه: وقالُوا ثَلاثَةُ أَنْفُسٍ، يُذكِّرُونَه، لأَنّ النَّفْسَ عِنْدَهُمْ يُرِيدُون به الإِنْسَانَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُم يَقُولُونَ: نَفْسٌ وَاحِدٌ، فلا يُدخِلون الهاءَ، قالَ: وزَعَم يُونُسُ عن رُؤْيَةَ أَنَّه قال: ثَلاثُ أَنْفُسٍ، على تَأْنِيثِ النَّفْسِ، كما تَقُول: ثلاثُ أَعْيُنٍ، للعَيْنِ مِن النّاسِ، وكما قالُوا: ثَلاثُ أَشْخُصٍ في النِّساءِ، وقال الحُطَيْئَةُ:


(١) هذا قول الزجاج في تفسير قوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ}.

(٢) سورة التكوير الآية ١٨.

(٣) لفظة «منه» أقحمت في العبارة كما يتضح من عبارة التهذيب، وفيه: حتى يتبيّن، ومنه يقال: تنفست القوس ...

(٤) في النهاية: «يفصل فيها فاه عن الإناء» وفي التهذيب: «بين فاه عن الإناء».

(٥) سورة المطففين الآية ٢٦.

(٦) سورة النور الآية ٦١.

(٧) سورة النور الآية ١٢.

(٨) سورة الزمر الآية ٥٦.