[يبس]:
  أَقُولُ لَهُمْ بالشِّعْب إِذْ يَيْسِرُونَنِي: ... أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابنُ فارِسِ زَهْدَمِ
  يَقُول: أَلَمْ تَعْلَمُوا، وقولُه: يَيْسِرُونَنِي، مَن أَيْسَارِ الجَزُور، أَيْ يَقْتَسِمُونَنِي، ويُرْوَى يَأْسِرُونَنِي، من الأَسْرِ، وزَهْدَم: اسمُ فَرَسِ بِشْرِ بن عَمْرٍو أَخِي عَوْفِ بن عَمْرٍو، وعَوْفٌ جَدُّ سُحَيْم بن وَثِيلٍ، قالَه أَبو محمّد الأَعْرَابِيّ، ويُرْوَى: «أَنّي ابنُ قاتِلِ زَهْدَمِ». وهو رَجُلٌ من عَبْسٍ، فعلَى هذا يَصِحّ أَن يكونَ الشّعْرُ لِسُحَيْمٍ، ويُرْوَى هذا البيتُ أَيضاً في قصيدَةٍ أُخْرَى علَى هذا الرَّوِيِّ:
  أَقُولُ لأَهْلِ الشِّعْبِ إِذْ يَيْسِرُونَنِي ... أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابنُ فارِسِ لازِمِ
  وصاحِبِ أَصْحَابِ الكَنِيفِ كأَنّمَا ... سَقَاهُمْ بكَفَّيْهِ سِمَامَ الأَرَاقِمِ
  وعَلَى هذِه الرّوَايَةِ أَيْضاً يكونُ الشِّعْرُ له دُونَ وَلَدِه، لِعَدَمِ ذِكْرِ زَهْدَم في البَيْت.
  و في حَدِيث أُمِّ مَعْبَدٍ الخُزَاعِيَّة، رضي الله تعالَى عنها، في صِفَةِ النَّبِيِّ، ﷺ: «لا يَأْسٌ(١) مِنْ طُولٍ» أَي قَامَتُه لا تُؤْيِسُ مِنْ طُولِهِ، لِأَنّه كانَ إِلى الطُّولِ أَقْرَبَ منه إِلى القِصَرِ، واليَأْسُ: ضِدُّ الرَّجَاءِ، وهو في الحَدِيثِ اسمٌ نَكِرَةٌ مفتوحٌ بلا النّافِيةِ، ويُرْوَى: لا يَائِسٌ مِنْ طُولٍ، هكذا رَوَاه ابنُ الأَنْبَارِيّ في كِتَابِه، وقال: لا، مَيْؤُوسٌ منه، أَيْ مِنْ أَجْلِ طُولِه، أَي لا يَيْأَسُ مُطَاوِلُهُ مِنْهُ، لإِفْرَاطِ طُولِهِ، فيائِسٌ هُنَا بمَعْنَى مَيْؤُوسٍ، كماءٍ دافِقٍ، بمَعْنَى مَدْفُوقٍ.
  واليَأْسُ بنُ مُضَرَ بنِ نِزَارٍ أَخُو الْنَّاسِ، واللاّمُ فيهِمَا كَهِيَ في الفَضْلِ والعَبّاسِ، وحَكَى السُّهَيْلِيّ عن ابنِ الأَنْبَاريّ أَنّه بكَسْرِ الهَمْزَةِ، وقد تَقَدَّم البَحْثُ فيه، يُقَال: أَوَّلُ مَنْ أَصابَهُ اليَأَسُ، مُحَرَّكَةً، أَي السِّلُّ. وقال السُّهَيْلِيّ في الرّوْضِ: ويُقَال: إِنّمَا سُمِّيَ السِّلُّ داءَ يَأَسٍ، أَو داءَ اليَأْسِ لأَنّ الْيَأْسَ بنَ مُضَرَ ماتَ مِنْه، وبه فَسَّرَ ثَعْلَبٌ قولَ أَبي العَاصِيَةِ السُّلَمِيّ:
  فَلَوْ أَنَّ داءَ اليَاسِ بِي فأَعَانَنِي ... طَبِيبٌ بأَرْوَاحِ العَقِيقِ شَفانِيَا
  وأَيْأَسْتُه، وآيَسْتُه، الأَخِيرُ بالمَدّ: قَنَّطْتُه، والمَصْدَرُ الإِيئاسُ، على مِثال الإِيعاسِ، قال رُؤْبَةُ:
  كَأَنَّهُنّ دَارِسَات أَطْلاسْ ... من صُحُفٍ أَو باليَاتُ أَطْرَاسْ
  فِيهِنّ من عَهْدِ التَّهَجِّي أَنْقَاسْ ... إِذْ في الغَوَانِي طَمَعٌ وإِيئاسْ
  وقال طَرَفَة بنُ العَبْدِ:
  وأَيْأَسَنِي من كُلِّ خَيْرٍ طَلَبْتُه ... كأَنّا وضَعْنَاهُ إِلى رَمْسِ مُلْحَدِ
  وَقَرَأَ ابنُ عَبّاسٍ، رَضِيَ الله تَعَالَى عنهما: لا يِيْأَسُ مِنْ رَوْحِ الله(٢) على لُغَةِ من يَكْسِرُ أَوّلَ المُسْتَقْبَلِ إِلاَّ ما كانَ باليَاءِ، وهي لُغَةُ تَمِيمٍ وهُذَيْلٍ وقَيْسٍ وأَسَدٍ، كذا ذَكَرَه اللِّحْيَانِيّ في نوادِرِه، عن الكِسَائِيّ، وقالَ سِيبَوَيْه: وإِنّمَا اسْتَثْنَوْا الياءَ، لأَنّ الكَسْرَ في الياءِ ثَقِيلٌ، وحكَى الفَرّاءُ أَنّ بَعْضَ بَنِي كَلْبٍ يَكْسِرُون الياء أَيْضاً، قال: وهي شاذَّةٌ، كما في بُغْيَة الآمَالِ لِأَبِي جَعْفَر اللَّبْلِيّ، وإِنّمَا كَسَرُوا في يِيْأَسُ ويِيْجَلُ لِتَقَوِّي إِحْدَى الياءَيْنِ بالأُخْرَى، وسيأْتي البَحْثُ فيه في: وجل، إِن شاءَ الله تَعَالَى.
  بَقِيَ أَنّ الزَّمَخْشَرِيَّ لَمّا صَرّحَ في الأَسَاسِ أَنَّ يَئِسَ بمعْنَى عَلِمَ مَجَازٌ فإِنّه قال: يُقَال: قد يَئِسْتُ أَنّكَ رَجُلُ صِدْقٍ، بمعْنَى عَلِمْتُ، لأَنَّ مَع الطَّمَعِ القَلَقَ، ومع انْقِطَاعِه السُّكُونَ والطُّمَأْنِينَةَ، ولِذلك قِيلَ: «اليَأْسُ إِحْدَى الرّاحَتَيْنِ».
  [يبس]: يَبِسَ، بالكَسْرِ، يَيْبَسُ، بالفَتْحِ، أَي من حَدِّ عَلِمَ، ويَابَسُ، بقَلْبِ اليَاءِ أَلِفاً، ويَيْبِسُ، كيَضْرِبُ، أَي بالكَسْرِ فيهما، وهذا شاذٌّ، فهو كيَئِسَ يَيْئِسُ الَّذِي تَقَدَّم في الشُّذُوذِ، صَرَّحَ به الجَوْهَرِيّ وغيرهُ من أَئمّة الصَّرْفِ، يَبْساً، بالفَتْح، ويُبْساً، بالضّمّ، فهو يَابِسٌ، ويَبِسٌ، ككَتِفٍ، ويَبِيسٌ، كأَمِيرٍ، ويَبْسٌ، بفتحٍ فسُكُون: كانَ رَطْباً فجَفَّ، كاتَّبَسَ، على افْتَعَل فأُدْغِمَ، قال ابنُ السَّرَّاج: هو مُطَاوِع يَبَّسْتُه فاتَّبَسَ، وهو مُتَّبِسٌ.
(١) ضبطت في النهاية واللسان بالقلم بفتح السين. في القاموس: أي لا ميؤوس منه من أجل ...
(٢) الآية ٨٧ من سورة يوسف.