تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الراء مع الضاد

صفحة 68 - الجزء 10

  وشَهْرُ رَمَضَانَ، مُحَرَّكَةً، مِنَ الشُّهُورِ العَرَبِيَّةِ م معروف، وهو تاسعُ الشهورِ. قال الفرّاءُ: يُقَال: هذا شَهْرُ رَمَضَانَ، وهما شَهْرَا رَبِيعٍ ولا يُذْكَر الشَّهْرُ مع سائِر أَسماءِ الشُّهورِ العَرَبيّة. يقال: هذا شعبانُ قد أَقْبَلَ، وشاهِدُه قوله ø: {شَهْرُ} رَمَضانَ {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}⁣(⁣١)، وشاهِدُ شَهْرَيْ رَبيعٍ قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:

  به أَبَلَتْ شَهْرَيْ رَبيعٍ كِلَيْهمَا ... فَقَدْ مَارَ فيهَا سِمْنُهَا⁣(⁣٢) واقْترارُهَا

  قلتُ: وكذلك رَجَبٌ فإِنَّهُ لا يُذْكَر إِلاّ مُضَافاً إِلى شَهْرٍ، وكَذَا قَالُوا الَّتِي تُذْكَرُ بلَفْظ الشَّهْر هي المَبْدُوءَة بحَرْف الرّاء، كما سَمعْتُه من تَقْرير شَيْخِنَا المَرْحُوم السّيّد مُحَمّد البُلَيْديّ الحَسَنِيّ، ¦، وأَسكَنه فَسِيحَ جَنَّته، قُلْتُ: وقد جاءَ في الشِّعر من غَيْر ذكْر الشَّهْر قال:

  جَارِيَةٌ في رَمَضَانَ الماضِي ... تُقَطِّعُ الحَديثَ بالإِيماضِ

  قال أَبو عُمَرَ المُطَرِّزُ: أَي كانُوا يَتَحَدَّثُون فَنَظَرتْ إِلَيْهم، فاشْتَغَلوا بحُسْنِ نَظَرِهَا عن الحَدِيثِ، ومَضَتْ.

  وفي الرَّوْض للسُّهَيْلِيّ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {شَهْرُ} رَمَضانَ، اخْتَارَ الكُتَّاب والمُوَثِّقُون النُّطْقَ بهذَا اللَّفْظ دُونَ أَنْ يَقُولُوا كُتِبَ في رَمَضَانَ. وتَرْجَمَ البُخَاريُّ والنَّوَرِيّ على جَوَازِ اللَّفْظَيْنِ جَمِيعاً، وأَوْرَدَا الحَديثَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» ولم يَقُل: شَهْرَ رَمَضَانَ، قال السُّهَيْليّ: لكُلِّ مَقَامٍ مَقالٌ، ولا بُدَّ من ذِكْر شَهْرَ في مَقَامٍ وحَذْفِه في مَقَامٍ آخرَ، والحِكْمَةُ في ذِكْره إِذا ذُكِرَ في القُرْآن وغَيْره، والحِكْمَةُ أَيْضاً في حَذْفِهِ إِذا حُذِفَ من اللَّفْظ، وأَيْنَ يَصْلُحُ الحَذْفُ ويَكُونُ أَبْلَغَ من الذِّكْر. كُلُّ هذَا قد بَيَّنَاه في كتاب «نَتَائج الفِكر» غَيْرَ أَنَّا نُشِير إِلى بَعْضها فنَقُولُ: قال سِيبَوَيْه: وممَّا لا يَكُونُ العَمَلُ إِلاَّ فيه كُلّه المُحَرَّم وصَفَر، يُريد أَن الاسْمَ العَلَم يَتَنَاوَلُه اللَّفْظ كُلّه، وكَذلك إِذا قُلْت: الأَحَد والاثْنَين، فإِن قُلْت يَوْمَ الأَحَدِ، أَو شَهْر المُحَرَّم، كان ظَرْفاً ولم يَجْرِ مَجْرَى المَفْعُولات، وزَالَ العُمُومُ من اللَّفْظ، لأَنَّك تُريد: في الشَّهْر وفي اليَوْم، ولذلكَ قَالَ : مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» ولم يَقُل شَهْرَ رَمضانَ ليَكُون العَمَلُ فيه كُلّه.

  ج: رَمَضَانَاتٌ، نَقَلَه الجَوْهَرِيّ ورَمَضَانُونَ، وأَرْمِضَةٌ، الأَخيرُ في اللِّسَان. وَفَاتَهُ أَرْمِضَاءُ، نَقَلَه الجَوْهَرِيّ، ورَمَاضِينُ، نَقَلَه الصَّاغَانِيّ وصَاحِبُ اللّسَان. وقال ابنُ دُرَيْدٍ: زَعَمُوا أَنّ بَعْضَ أَهل اللُّغة قال: أَرْمُضٌ، وهو شَاذٌّ ولَيْس بالثَّبت ولا المَأْخوذ به. سُمِّيَ به لِأَنَّهُمْ لَمّا نَقَلُوا أَسْمَاءَ الشُّهُورِ عن الُّلغَة القَديمَة سَمَّوْهَا بالأَزْمِنَةِ الَّتي وَقَعَتْ فِيهَا. كَذَا في الصّحاح، وفي الجَمْهَرَة: التي هي فيها: فوَافَق ناتِقٌ⁣(⁣٣)، أَيْ هذَا الشَّهْرُ وهو اسْمُ رَمَضَانَ في اللُّغَةِ القَديمَةِ أَيّامَ زَمَن الحَرِّ والرَّمَض، فسُمِّيَ به. هذه عبارَةُ ابْن دُرَيْد في الجَمْهَرَة، ولكنَّ المُصَنّف قد تَصَرَّف فيها على عادَته، ونَصُّ الجَمْهَرَة: فَوَافَقَ رَمَضَانُ أَيّامَ رَمَضِ الحَرِّ وشِدَّتِه فسُمِّيَ به، ونَقَله الصّاغَانِيّ وصاحبُ اللّسَان هكذا على الصَّواب. وفي الصّحاح: فوَافَق هذا الشَّهْرُ أَيّامَ رَمَضِ الحَرِّ فسُمَّيَ بذلك. وهو قَريبٌ من نَصِّهما، ولَيْس عنْدَ الكُلِّ ذِكْرُ ناتِق، وسَيَأْتي في القَاف أَنَّه من أَسْمَاءِ رَمَضَانَ، وقد وَهِمَ الشُّرَّاحِ هُنَا وَهماً فاضحاً، حَتَّى شَرَحَ بَعْضُهُم نَاتق بشدَّةِ الحَرّ، كأَنَّهُ يَقُولُ وَافَقَ رَمَضَانُ ناتِقَ، بالنَّصْب، أَي شِدَّة زَمَن الحَرِّ، وهو غَريبٌ، وكُلُّ ذلكَ عَدَمُ وُقُوفٍ على مَوادِّ الُّلغَةِ، وإِجْراءُ الفِكْرِ والقِيَاسِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ الأُصُول. فتَأَمَّلْ. أَو هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ رَمَضَ الصائِمُ يَرْمَضُ، إِذا اشْتَدَّ حَرُّ جَوْفِه من شِدَّةِ العَطَشِ. وهو قَولُ الفَرَّاءِ، أَوْ لِأَنَّهُ يَحْرِقُ الذُّنُوبَ، من: رَمَضَهُ الحَرُّ يَرْمِضُهُ، إِذا أَحْرَقَه، ولا أَدْرِي كَيْفَ ذلِكَ، فإِنّي لم أَر أَحَداً ذَكَرَه.

  وَرَمَضَانُ - إِن صَحَّ - مِنْ أَسماءِ الله تَعَالَى فغَيْرُ مُشْتَقٍّ مِمّا ذُكِرَ أَو رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى الغَافِرِ، أَي يَمْحُو الذُّنُوبَ ويَمْحَقُهَا. قال شَيْخُنَا: هو أَغْرَبُ مِن إِطْلاق الدَّهْرِ، لأَنَّهُ وَرَدَ في الحَدِيث، وإِنْ حَمَلَه عِيَاضٌ على المَجازِ، كما مَرَّ، ولم يَرِدْ إِطلاقُ رَمَضَانَ عَلَيْه تَعَالَى، فكَيْفَ يَصِحُّ، وبأَيِّ مَعْنَى يُطْلَق عَلَيْه، سُبْحَانَه وتَعَالَى.

  قُلتُ: وهذا الَّذِي أَنْكَرَهُ شَيْخُنَا مِنْ إِطْلاقِ اسْمِ رَمَضَانَ عَلَيْه. سُبْحَانَه، فَقَد نَقَلَه أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ المُطَرَّزُ في


(١) سورة البقرة الآية ١٨٥.

(٢) التهذيب واللسان: «نسؤها» ونسؤها وسمنها بمعنى واحد. واقترارها: شبعها.

(٣) في مروج الذهب ٢/ ٢٢٣ ناتق اسم المحرم.