تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[بسبط]:

صفحة 194 - الجزء 10

  وبَسْطُ اليَدِ والكَفِّ، تَارَةً يُسْتَعْمَل للأَخْذِ، كقَوْلِه تعالَى: {وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ}⁣(⁣١)، أَي مُسَلَّطُون عَلَيْهِم، كما يُقَال: بُسِطَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ، أَي سُلِّطَ عَلَيْه، وتَارَةً يُسْتَعْمَلُ للطَّلَبِ، نحو قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاّ} كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ⁣(⁣٢) أَي كالدَّاعِي الماءَ يُومِئ إِلَيْهِ لِيُجِيبَهُ، وفي العُبَابِ: فلا يُجِيبَهُ. وتَارَةً يُسْتَعْمَلُ للصَّوْلَةِ والضَّرْبِ، نحو قولِه تَعَالَى: {وَ} يَبْسُطُوا {إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ}⁣(⁣٣)، وتَارَةً يُسْتَعْمَلُ للبَذْلِ والإِعْطَاءِ، نحو قولِه تعالَى: {بَلْ يَداهُ} مَبْسُوطَتانِ⁣(⁣٤) كما سَيَأْتِي. وكُلُّ ذلِكَ مَجَازٌ.

  والبِسَاطُ، بالكَسْر: ما بُسِطَ، وفي الصّحاحِ: ما يُبْسَطُ، وفي البَصَائِرِ: اسْمٌ لكلِّ مَبْسُوطٍ. وأَنْشَدَ الصّاغَانِيُّ للمُتَنَخِّلِ الهُذَلِيِّ يَصِفُ حالَه مع أَضْيَافِه:

  سَأَبْدَؤُهُمْ بمَشْمَعَةٍ وأَثْنِي ... بجُهْدِي من طَعَامٍ أَو بِسَاطِ

  قال: ويُرْوَى: «من لِحَافٍ أَو بِسَاط» فعلَى هذِه الرِّوَايَةِ البِسَاطُ: ما يُبْسَطُ. قلتُ: وهي روايَةُ الأَخْفَشِ، ففي شَرْحِ الدِّيوَانِ: ولِحَافٌ: طَعَامٌ، يَقُول: يَأْكُلُونَ ويَشْرَبُونَ فهو لِحَافُهُم، يقول: أَكَلَ الضَّيْفُ فنَامَ فهو لِحَافُه. ويُقَال: لِلَّبَنِ إِذا ذَهَبَتْ الرَّغْوَةُ عنه قد صُقِلَ كِسَاؤُه، وأَنْشَدَ رجلٌ من أَهل البَصْرَة⁣(⁣٥):

  فبَاتَ لنا مِنْهَا وللضَّيْفِ مَوْهِناً ... لِحَافٌ ومَصْقُولُ الكِسَاءِ رَقِيقُ

  قال: والمَشْمَعَة: المُزَاحُ والضَّحِكُ، وأَثْنِي أَي أُتْبع.

  ج بُسُطٌ، ككِتَابٍ وكُتُبٍ.

  والبِسَاطُ: وَرَقُ السَّمُرِ يُبْسَطُ له ثَوْبٌ ثمّ يُضْرَبُ فيَنْحَتُّ عَلَيْه.

  والبَسَاطُ، بالفَتْحِ: المُنْبَسِطَةُ المُسْتَوِيَةُ من الأَرْضِ، كالبَسِيطَةِ، قال ذُو الرُّمَّةِ:

  ودَوٍّ ككَفِّ المُشْتَرِي غَيرَ أَنَّهُ ... بَسَاطٌ لأَخْفافِ المَرَاسِيلِ وَاسِعُ

  وقال آخر:

  ولو كانَ في الأَرْضِ البَسِيطَةِ مِنْهُمُ ... لِمُخْتَبِطٍ عَافٍ لَما عُرِفَ الفَقْرُ

  وقال أَبو عُبَيْدٍ وغيرُهُ: البَسَاطُ، والبَسِيطَةُ: الأَرْضُ العَرِيضَةُ الوَاسِعَةُ، وتُكْسَرُ عن الفَرّاءِ، وزاد: لا نَبَلَ⁣(⁣٦) فِيهَا، كالبَسِيطِ، يُقَال: مَكَانٌ بَسَاطٌ، وبِسَاطٌ، وبَسِيطٌ، أَي وَاسِعٌ، نَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ عن الفَرّاءِ، وأَنْشَدَ لرُؤْبَةَ:

  لَنَا الحَصَى وأَوْسَعُ البِسَاطِ

  وذَكَرَهُ الجَوْهَرِيُّ في الصّحاحِ، واقْتَصَرَ على الفَتْحِ.

  وأَنْشَدَ للشّاعِرِ وهو العُدَيْلُ بنُ الفَرْخِ العِجْليُّ، وكان قد هَجَا الحَجّاجَ فَهَرَبَ منه إِلى قَيْصَرَ:

  أُخَوَّفُ بالحَجّاجِ حَتّى كأَنَّمَا ... يُحَرَّكُ عَظْمٌ في الفُؤادِ مَهِيضُ

  ودُونَ يَدِ الحجاجِ مِنْ أَنْ تَنَالَنَي ... بَسَاطٌ لأَيدِي النّاعجَاتِ عَرِيضُ

  مَهَامِهُ أَشْبَاهٌ كأَنَّ سَرَاتَها ... مُلَاءٌ بأَيْدِي الغاسِلَات رَحِيضُ

  فكَتَبَ الحَجّاجُ إِلى قَيْصَرَ: واللهِ لتَبْعَثَنّ بِهِ أَو لأَغْزُوَنَّكَ خَيْلاً يكونُ أَوَّلُهَا عِنْدَك وآخِرُهَا عِنْدِي. فبَعَثَ به، فلمّا دَخَلَ عليه قَال: أَنْتَ القائِلُ هذَا الشِّعْر؟ قال: نَعَم. قال: فكَيْفَ رَأَيْتَ الله أَمْكَنَ منك؟ قَال: وأَنَا القائِلُ:

  فلَوْ كُنْتُ في سَلْمَى أَجَا وشِعَابِهَا ... لكان لِحَجَّاجٍ عَلَيَّ سبيلُ

  خَلِيلُ أَميرِ المُؤْمِنِين وسَيْفُه ... لكلِّ إِمامٍ مُصْطَفًى وخَلِيلُ


(١) سورة الأنعام الآية ٩٣.

(٢) سورة الرعد الآية ١١.

(٣) سورة الممتحنة الآية ٢.

(٤) سورة المائدة الآية ٦٤.

(٥) في اللسان: كسا، وقول عمرو بن الأهتم:

فبات له دون الصبا وهي قرةٌ ... لحافٌ ومصقولُ الكساءِ رقيقُ

أراد اللبن تعلوه الدّواية، قال ابن بري: صواب إنشاده: وبات له، يعني للضيف وقبله:

فبات لنا منها وللضيفِ موهناً ... شواءٌ سمينٌ زاهقٌ وغبوقُ

(٦) الأصل واللسان، والنبل باللام العظام والصغار من الحجارة والمدر. وفي التهذيب «لا نَبَك فيها» بالكاف والنبكة واحدة النبك وهي أكمة محددة الرأس وربما كانت حمراء، وقيل هي الأرض فيها صعود وهبوط.