تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[حبط]:

صفحة 214 - الجزء 10

  إِذا انتَفَخَ، فِيهِنَّ، يَحْبَط حَبَطاً فهُو حَبِطٌ، من إِبِلٍ حَبَاطَى وحَبِطَةٍ، كما في المُحْكَم. أَو حَبَطُ المَاشِيَةِ: انْتِفَاخُ البَطْنِ عن أَكْلِ الذُّرَقِ وهو الحَنْدَقُوقُ، يُقَال: حَبِطَت الشّاةُ، بالكَسْرِ، كما نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن ابنِ السِّكِّيتِ، قال: ومنه الحَدِيثُ: «وإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطاً أَو يُلِمُّ» واسمُ ذلِكَ الدّاءِ: حُبَاطٌ، بالضَّمِّ، قال الأَزْهَرِيُّ: ورَوَاه بعضهم بالخَاءِ المُعْجَمَةِ، من التَّخَبُّط، وهو الاضْطِرَابُ.

  والحَبَطُ: وَرَمٌ في الضَّرْعِ أَو غَيْرِهِ، والذي في المُحْكَمِ: الحَبَطُ في الضَّرْعِ: أَهْوَنُ الوَرَمِ، وقيل: الحَبَطُ: الانْتِفاخُ أَيْن كانَ من داءٍ أَو غَيْرِه. وحَبِطَ جِلْدُه: وَرِمَ.

  ومن المَجَازِ: حَبِطَ عَمَلُهُ، كسَمِعَ، وعليه اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ وغيرُهُ من الأَئمَّة، وزاد أَبو زَيْدٍ: حَبَطَ عَمَلُه، مثل ضَرَبَ. وحَكَى عن أَعْرَابِيٍّ أَنَّه قرأَ فَقَدْ حَبطَ عَمَلُه، بفَتْحِ الباءِ قال الأَزْهَرِيُّ: ولم أَسْمَع هذا لغَيْرِه والقِراءَةُ: {فَقَدْ} حَبِطَ {عَمَلُهُ}⁣(⁣١) بكَسْرِ الباءِ، حَبْطاً بالفَتْح، وحُبُوطاً، بالضَّمِّ، نَقَلَهُمَا الجَوْهَرِيُّ، ومُقْتَضَى سِيَاقِه أَنَّهُمَا مَصْدَرانِ لِحَبِطَ كسَمِع، والَّذِي في التَّهْذِيبِ: أَنَّ الحُبُوطَ مَصْدرُ حَبَطَ، كضَرَبَ، على ما نَقَلَه أَبو زَيْدٍ: بَطَلَ ثَوَابُه، كما في الصّحاحِ.

  وقَالَ الأَزْهَرِيُّ: إِذا عَمِلَ الرَّجُلُ عَمَلاً ثمّ أَفْسَدَه قيل: حَبِطَ عَمَلُه، وقال ابنُ السِّكِّيتِ: فهو حَبْطٌ، بسُكُونِ الباءِ، قال الزَّمَخْشَرِيُّ وابنُ الأَثِيرِ: هو من حَبَطَت الدّابَّةُ حَبطاً، إِذا أَصابَتْ مَرْعًى طيِّباً فأَفْرَطَتْ في الأَكْلِ حَتّى تَنْتَفِخَ فتَمُوتَ.

  قال الزَّمَخْشَرِيُّ: ومنه أَيْضاً: حَبِطَ دَمُ القَتِيلِ إِذا هَدَرَ وبَطَلَ، وهو من حَدِّ سَمِعَ فقط، ومُقْتَضَى العَطْفِ أَنْ يكونَ من البَابَيْنَ، وليسَ كذلِكَ، ومَصْدَرُه الحَبَطُ بالتَّحْرِيكِ⁣(⁣٢)، وقال الأَزْهَرِيُّ: ولا أَرى حَبْطَ العَمَلِ وبُطْلانَه مَأْخُوذاً إِلاّ من حَبَطِ البَطْنِ؛ لأَنَّ صاحِبَ البَطْنِ⁣(⁣٣) يَهْلِكُ، وكذلِكَ عَمَلُ المُنافِقِ [والمشركِ]⁣(⁣٤) يَحْبَطُ، غيرَ أَنَّهُم سَكَّنُوا البَاءَ من قوْلهم: حَبِطَ عَمَلُه يَحْبَطُ حَبْطاً، وحَرَّكُوها من حَبِطَ بَطْنُه حَبَطاً، كذلِكَ أُثْبِتَ لنا عن ابْنِ السِّكِّيتِ وغيرِه.

  ومِن المَجَازِ: أَحْبَطَهُ الله تَعَالى، أَي أَبْطَلَهُ، وقد جاءَ في الحَدِيثِ هكذا، وفي التَّنْزِيلِ العزِيزِ: فَأَحْبَطَ {أَعْمالَهُمْ}⁣(⁣٥) قيل: أَفْسَدَها، وقيلَ: أَبْطَلَها، وتقُولُ: إِنْ عَمِل عَمَلاً صالِحاً أَتْبَعَهُ ما يُحْبِطُه، وإِنْ أَرْسَلَ كَلِماً طَيِّباً أَرْسَلَ خَلْفَه ما يُهْبِطُه.

  وعن أَبِي عَمْرٍو: أَحْبَطَ ماءُ الرَّكِيَّة، إِذا ذَهَب ذَهَاباً لا يَعُودُ كما كان.

  وأَحْبَطَ عن فُلانٍ: أَعْرَضَ، يُقال: قد تَعَلَّق بهِ ثُمَّ أَحْبَطَ عنه، إِذا تَرَكَه وأَعْرض عنه. عن أَبِي زَيْدٍ.

  والحَبْطَةُ، بالفَتْح: بَقِيَّةُ الماءِ في الحَوْضِ، عن ابنِ عَبّادٍ، أَو الصَّوابُ الخِبْطَةُ، بالخَاءِ المُعْجَمة وبالكَسْرِ، وأَجازَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ فتْحَها، كما نَقَلَه الصّاغَانِيُّ، وسَيُذْكَرُ في مَحَلِّه.

  والحَبَنْطَاةُ: القَصِيرَةُ الدَّمِيمَةُ البَطِينَةُ، ويُرْوَى بالهَمْزِ.

  والحَبَنْطَى: القَصِيرُ الغَلِيظُ⁣(⁣٦)، كما في الصّحاحِ.

  وحكى اللِّحْيَانِيُّ عن الكِسائِيِّ: رجلٌ حَبَنْطًى، مقصورٌ، وحِبَنْطًى، مَكسورٌ، وحَبَنْطَأٌ، وحَبَنْطأَةٌ، أَي المُمْتَلِئُ غَيْظاً، أَو بِطْنَةً، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ للرّاجِزِ:

  إِنِّي إِذَا أَنْشَدْتُ لا أَحْبَنْطِي ... ولا أُحِبُّ كَثْرَةَ التَّمَطِّي

  وقد يُهْمَزُ، وأَنْشَدَ:

  ما لَكَ تَرْمِي بالخَنَى إِلَيْنَا⁣(⁣٧) ... مُحْبَنْطِئاً مُنْتَقِماً عَلَيْنا

  وقد تَرْجَمَ الجَوْهَريُّ على «حَبْطَأَ» وصَوابُه أَنْ يُذْكَرَ في «حبط» لأَنَّ الهَمْزَةَ زائِدَةٌ ليست بأَصْليّة، وقد احْبَنْطَأْتُ واحْبَنْطَيْت، وكلُّ ذلِكَ من الحَبَط الَّذِي هُو الوَرَمُ، ولذلِكَ حُكِم على نُونِه وهَمْزَتهِ أَو يائِه أَنَّهما مُلْحِقَتَانِ له ببِنَاءِ سَفَرْجَل.


(١) سورة المائدة الآية ٥.

(٢) ضبطت في التهذيب واللسان، بالقلم، حبْطاً بسكون الباء.

(٣) الأصل واللسان، وفي التهذيب: صاحب الحبط.

(٤) زيادة عن التهذيب.

(٥) من الآية ٩ ومن الآية ٢٨ من سورة محمد.

(٦) في الصحاح: القصير البطين.

(٧) عن اللسان وبالأصل «علينا».